الحلقة الثالثة والثلاثون
الارتباط الفكري بقضیة الحسین - علیھ السلام - لھا أبعاد وثقافات
, فإقامة الأشعار
فردیة وجماعیة لكي تربط بین العاطفة وبین المأساة
والتمثیلیات والأناشید والطبول لھا أ ثر وقعي على نفس المتلقي أكثر
من لو كانت القضیة طرح موضوعي فقط .
فعندھا یستطیع علماء الإمامیة أن یأسروا عقول الشباب ؛ لأن
أقرب وسیلة لأسر العقل ھي عن طریق قلبھ ، وعندما یكون القلب
أسیر العاطفة الجیاشة من تمثیلیات وبكاء وعویل وقصص وروادید
وخطباء فھم سیعتمدون على أسر ھذه العقول من أن تفكر وتفكر .
لو تمعن الشیعي الأثنى عشري عن تاریخ الأئمة لوجد أن العادات
الجدیدة في المراسم الحسینیة ھي ولیدة الیوم ولیس الأمس ، فلا یوج د
ضرب في السلاسل ولا لطم بالزنجیر في العصور التي كان للشیعة
بسطة ید فیھا ..
فحتى المقریزي في خططھ قال إن ھذه العادات لم توجد في الزمن
الفاطمي والبویھي حتى .
وحتى أبو الفداء في تاریخھ ذكر مثل ھذا الأمر أو ، ن ھذه العادات إنما
ھي دخیلة وتستطیع ت أن قرأ خبرھما في سیرة الأئمة الأثن ي عشر
107 2/
یقول السید محسن الأمین : ((ولم ینقل ناقل أن أحداً فعلھا من عوام
الشیعة ولا أن أحداً أجازھا من علمائھم في الإعصار التي كانت ملوك
البلاد الإسلامیة فیھا كلھا شیعة)) .
ثم یضیف : ((مع ما كان علیھ بني بویھ من التشدد في نشر إقامة
العزاء في زمانھم تعطل الأسواق في بغداد یوم عاشوراء وتقام مراسم
العزاء في الطرقات))(التنزیھ31 )
ویرجح السید ھاشم معروف الحسیني أن تكون عادة الضرب
بالسلاسل الحدیدیة والسیوف من المظاھر الدخیلة التي لا یقرھا الشرع
، قد تسربت إلى بعض الأقطار بعد أن حكمھا الشیعة من الھنود
القدامى كما في كتاب من وحي الثورة167 ..
عندما یدافع علماء الشیعة بان التشیع أصلھ عربي وأسسھ علماء في
جبل عامل في لبنان ولیس للفرس الإیرانیین فضل على التشیع إلا أنھم
دافعوا عنھ و و و الخ من أقاویل فنقول نعم ، ولكن ھل عادة السلاسل
والتطبیر جاءت أیضا من جبل عامل الذي یفتخر الإمامیة بأنھ مؤسس
التشیع ؟ .!
كتابھ نفسھ یقول السید الأمین (( : ولم تكن ھذه الأعمال معروفة في
جبل عامل ولا نقل أن أحداً فعلھا فیھ, وإنما أحدثھا فیھ في ھذا العصر
بعض عوام الغرباء وساعد على ترویجھا بعض من یرتزق بھا, ولم
ینقل عن أحد من علماء جبل عامل أنھ أذن فیھا أو مر بھا في عصر
من الإعصار..)) .
یقول أحد الإخوة : (( تشبث المؤیدون لھذه العادة بعدة وجوه وذكروا
عدة مبررات :
الأول: أنھ لا دلیل على حرمة ھذا العمل رغم أن فیھ إضراراً بالنفس,
ولكن ھذا المقدار من الإضرار لم تثبت حرمتھ, وإنما ثبتت حرمة قتل
النفس أو قطع الأعضاء أو نحو ذلك, أما سوى ذلك فھو محكوم بالحلیة
بمقتضى الأصل العملي. ولكن ستأتي مناقشة ھذا الكلام وبیان الدلیل
على الحرمة .
الثاني: أنھ لا ریب أن البكاء والإبكاء على الإمام الحسین مطلوب
ومستحب كما جاء في الروایات, والبكاء أو الإبكاء فعلُ یحتاج إلى
محفّز, والمحفز إمّا قولي كذكر المصائب وإنشاد المراثي, أو عملي
كضرب الرأس بالسیف .
والجواب: إن ما دل على محبوبیة البكاء والإبكاء ناظر إلى الطرق
الإنسانی ة المألوفة لذلك, ولا یشمل الوسائل غیر المتعارفة في التعبیر
عن الحزن كما ھو الحال في عادة ضرب الرأس بالسیف. ھذا إن لم
یثبت لنا حرمة ھذه العادة, وإلا سیكون خروجھا عمّا دل على مطلوبیة
البكاء والإبكاء واضحاً وجلیا,ً لأن ما یدل على مطلوبیة شيء لا یستفاد
منھ مطلوبیتھ ولو بالوسائل المحرمة .
الثالث: إن في ھذا العمل (إدماء الرأس) اقتداءً بالحسین وصحبة,
ومواساة وتعزیة (لآل البیت ع( )), ولا ریب أن الاقتداء بالحسین
مطلوب ومواساة أھل البیت من أعظم القربات .
والجواب على ھذا الكلام :
- 1 إن الإقتداء بالإمام الحسین ع( ) یكون بأن نُقتل حیث قتل ونجرح
رؤوسنا حیث جرح رأسھ, وھو لم یجرح نفسھ بعقل بارد وھو یسیر
في الطرقات وإنما جرح نفسھ وضحى بنفسھ وھو في ساحة المعركة
یقاتل في سبیل االله, فلنجرح رؤوسنا ونبذل دماءنا في مواجھة العدو
فبذلك یكون الإقتداء (حدیث عاشوراء 134).
نتابع بعد ھذا الفیض ونستمر في إعطاء الأدلة النقلیة والعقلیة .
-------------------------------------------------------------