الموضوع
:
المدخل إلى دراسة العقيدة
عرض مشاركة واحدة
05-10-11, 03:41 PM
المشاركة رقم:
3
المعلومات
الكاتب:
حسين
اللقب:
عضو
الرتبة
البيانات
التسجيل:
Sep 2011
العضوية:
5474
المشاركات:
99 [
+
]
الجنس:
ذكر
المذهب:
سنّي
بمعدل :
0.02 يوميا
اخر زياره :
[
+
]
معدل التقييم:
14
نقاط التقييم:
33
الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
كاتب الموضوع :
حسين
المنتدى :
بيت موسوعة طالب العلم
الفصل الثالث
ظهور البدع ، وجهود السلف في مقاومتها
ظهور البدع :
1- الخوارج . 6- المشبهة .
2- الشيعة . 7- الجبرية .
3- القدرية . 8- المعتزلة .
4- المرجئة . 9- المتكلمون .
5- المعطلة . 10- الصوفية .
جهود السلف في مقاومة البدع :
1- البيان بالحجة والبرهان .
2- المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن .
3- التصنيف في الرد على المبتدعة .
4- المجاهدة بالسيف والسنان .
بسم الله الرحمن الرحيم
ظهور البدع ، وجهود السلف في مقاومتها
توفي رسول الله
، وما طائرٌ يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر منه علماً ، كما قال أبو ذر ،
. وترك أمته على البيضاء ، ليله كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، وأشهدهم على أنفسهم في مشهد حافل ، مهيب ، في حجة الوداع ، يوم عرفة ، وبين يديه مائة ألف ، أو يزيدون ، فقال : ( وأنتم تسألون عني ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت . فقال بأصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد ! اللهم اشهد !)رواه مسلم .
ثم خلفه في أمته صاحبه ، وأفضل أمته ، أبو بكر الصديق ،
، فلما ارتدت بعض قبائل العرب ، شرح الله صدره لجهادهم ، فجرد الجيوش ، وعقد الألوية حتى خضد شوكتهم ، وطمس دعوى الجاهلية ، وقضى على المتنبئين الكذابين .
وفي عهد الفاروق، عمر، فتحت الفتوح ، ومُصِّرت الأمصار ، ودخلت الأمم في دين الله أفواجاً ، وخشي، رضوان الله عليه ، ممن لم يدخل الإيمان في قلبه ، ولم يتفقه في الدين ، حتى قال : ( ينقض الإسلام عروة ،عروة ، من عاش في الإسلام ، لم يعرف الجاهلية . فكان متيقظاً لكل بادرة شر وفتنة أن تقع في عهده ، ومن ذلك :
1- أنه أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي
، في الحديبية ، لأنه رأى ناساً ينتابونها، فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة . انظر البدع والنهي عنها : 41 .
2- ما أدَّب به صبيغ بن عُسل التميمي ، الذي كان مفتوناً بالمتشابه . فقد روى جمع من المحدثين أن رجلاً من بني تميم ، يقال له ، صبيغ ، قدم المدينة ، فكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرءان ، فبلغ ذلك عمر ، فبعث إليه ، وقد أعد له عراجين النخل ، فلما دخل عليه جلس ، فقال من أنت ؟ قال : أنا عبدالله صبيغ . قال : وأنا عبدالله عمر . ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين ، فما زال يضربه ، حتى شجه فجعل الدم يسيل على وجهه. فقال : حسبك يا أمير المؤمنين ، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي . وفي رواية : ثم أمر به فضرب مائة سوط ، ثم جعله في بيت ، حتى إذا برأ دعا به ، ثم ضربه مائة سوط أخرى ، ثم حمله على قتب ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري : أن حرم عليه مجالسة الناس . حتى صار كالبعير الأجرب ، يجيء إلى الحِلَق ، فكلما جلس إلى قوم لا يعرفونه ، ناداهم أهل الحلقة الأخرى : عزمةَ أمير المؤمنين . فلم يزل كذلك ، حتى أتى أبا موسى الأشعري ، فحلف بالأيمان المغلظة ، ما يجد في نفسه مما كان يجده شيئاً. فكتب إلى عمر يخبره . فكتب إليه : ما إخاله إلا قد صدق . خلِّ بينه وبين مجالسة الناس . انظر : سنن الدارمي : 1/55 ، عقيدة السلف للصابوني : 239-242 ، الحجة في بيان المحجة : 1/193-195 .
ولما انكسر باب الفتنة بقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، كان أول ذلك خروج الخوارج عل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ،
، الذي أفضى إلى قتله شهيداً في داره، سنة 35هـ، فعصفت بالمسلمين عواصف من الفرقة والاقتتال في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ،
، تمخضت عن ظهور فرقتي ضلالة :
1- الخوارج : وهم فرقة خرجت على علي ،
، وكفروه ، واستحلوا دماء المسلمين ، وآل بهم الأمر إلى القول بكفر مرتكب الكبيرة من المسلمين .
وقد حاول علي ،
، أن يكشف عنهم شبهتهم ، وأرسل إليهم ابن عمه ، عبدالله بن عباس ،
ا ، فواضعوه كتاب الله ، ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف ، وأصر الباقون على خروجهم ، وبدعتهم ، فندب علي المهاجرين والأنصار إلى قتالهم ، فقتلوهم في موقعة ( النهروان ) سنة 38هـ . ثم لم يزل يطلع منهم قرن بعد قرن . قال الإمام أحمد : ( صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه ).
2- الشيعة : وهم قوم غلوا في علي ،
، وآل البيت ، حتى زعموا أنه الأحق بالخلافة بعد رسول الله
، وطعنوا في الصحابة ، فمنهم : " مفضلة" ، ومنهم " سابَّة " ، ومنهم " مكفرة " . وقالوا جميعاً بإمامة آل البيت ، وأنها ركن الدين الأعظم . وقال بعضهم بعقيدة " الغيبة "، و " الرجعة " حتى قال "السبئية" منهم بتأليه علي ، فحرَّقهم بالنار . وهم فرق متعددة مختلفة .
وقد صنف أئمة الإسلام في الرد على الرافضة مصنفات كثيرة ، من أجمعها، وأوعاها، ما ألفه شيخ الإسلام ، ابن تيمية ، في الرد على كتاب " منهاج الكرامة " لابن المطهر الرافضي ، وهو كتابه العظيم " منهاج السنة النبوية " .
وفي أواخر عهد الصحابة ، رضوان الله عليهم ، ظهرت بدعة :
3- القدرية الغلاة : الذين يزعمون أن الله لا يعلم ما العباد عاملون ، وأن العبد يخلق فعل نفسه ، دون الله . وأنكروا القدر . وأول من قال بالقدر رجل بالبصرة ، يدعى " معبد الجهني "، أخذها من نصراني من أهل العراق ، يقال له " سوسن " ، ثم أخذها عن معبد " غيلان الدمشقي ". و قُتل معبد سنة 80هـ .
وقد تصدى لهم الصحابة ، كعبدالله بن عمر ، وأبطلوا شبهتهم . وصنف السلف في الرد عليهم ، ومناظرتهم . قال الشافعي ، رحمه الله : ( ناظروهم بالعلم ، فإن أقروا به خُصِموا ، وإن أنكروه كفروا ) . ورووا فيهم آثاراً أنهم : ( مجوس هذه الأمة ) .
ثم ظهرت ، إثر بدعة الوعيدية من الخوارج والقدرية ، بدعة مقابلة :
4- المرجئة : وهم الذين أرجئوا العمل عن الإيمان ، ولم يدخلوه في حده وتعريفه ، فلا يزيد به الإيمان ولا ينقص . وقالوا الإيمان لا يتفاضل ؛ فإيمان أفجر الناس ،كإيمان أتقى الناس ! وقالوا : لا يضر مع الإيمان ذنب ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة .
ومن أوائل من قال بالإرجاء : غيلان الدمشقي ، المقتول سنة 105هـ ، و ذر بن عبد الله المرهبي ، وحماد بن أبي سليمان . وذلك على رأس المائة الهجرية الأولى . وقد انتصب السلف لرد بدعتهم ، وذمها ، والتحذير منها ، حتى قال سعيد بن جبير : ( المرجئة مثل الصابئين )،وقال الزهري : ( ما ابتدعت في الإسلام بدعة هي أضر على أهله من هذه ) يعني الإرجاء . وقال النخعي عنهم : ( تركوا هذا الدين أرق من الثوب السابري ) ؛ إشارة إلى تساهلهم ، وتفريطهم .
وفي أواخر عصر التابعين ظهرت بدعتان متقابلتان،تتعلقان بصفات الباري سبحانه:
5- المعُطِّلة : وهم الذين أنكروا ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات . وأول من تكلم بالتعطيل : الجعد بن درهم ؛ فقد روى البخاري في " خلق أفعال العباد " عن حبيب الجرمي ، قال : شهدت خالد بن عبد الله القسري ، بواسط ، في يوم أضحى. وقال : ارجعوا ، فضحوا ، تقبل الله منكم ، فإني مُضحٍ بالجعد بن درهم . زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ، ولم يكلم موسى تكليماً . تعالى الله علواً كبيراً عما يقول الجعد بن درهم .ثم نزل فذبحه ) ص : 8 . وكان ذلك سنة 119هـ ، وقيل 124هـ .
ثم تلقف مقالته رأس المعطلة : الجهم بن صفوان السمرقندي ، وضم إليها مقالات أخرى مبتدعة ، حتى قتل في سنة 128هـ . وإليه تنسب " الجهمية " .
وقد اشتد نكير السلف عل الجهمية ، وأكفروهم ، بسبب شناعة مقالاتهم . وصنف جمع من السلف المتقدمين في الرد عليهم ؛ منهم الإمام أحمد بن حنبل ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، والبخاري . قال ابن القيم :
ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان
6- المشبِّهة : وهم الذين شبهوا صفات الخالق ، سبحانه وتعالى ، بصفات المخلوقين . وأول من عرف عنه القول بالتشبيه في الإسلام : بيان بن سمعان الشيعي ، المقتول سنة 119هـ . وأول من زعم أن الله جسم : هشام ابن الحكم الرافضي ، الهالك سنة 199هـ . ومقالة المشبهة مقالة خبيثة ، مستهجنة ، تنافي النص ، والعقل ، والفطرة . وقد اجتهد السلف في مصنفاتهم في دفعها ، وبيان أن إثبات الصفات لله تعالى لا يلزم منه تشبيه . وأن طريقتهم : ( إثبات بلا تشبيه ، وتنزيه بلا تعطيل ) و أن : ( المشبه يعبد صنماً ، والمعطل يعبد عدماً ) وأن الله : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
وبإزاء بدعة " القدرية النفاة " ظهرت بدعة مضادة ، وهي بدعة :
7- الجبرية : الذين يقولون : العبد مجبور على فعله ، وليس له إرادة ولا اختيار ، وأن حركاته اضطرارية ، كحركات المرتعش . وأول من قال بالجبر : الجهم بن صفوان السمرقندي . وبذلك اجتمعت فيه الجيمات الثلاث
التجهم ، والإرجاء ، والجبر ).
ومن الفرق التي ظهرت في مطلع القرن الثاني ، أيضاً :
8- المعتزلة : وهم أتباع واصل بن عطاء ، الذي اعتزل حلقة الحسن البصري ، رحمه الله، وخالفه في حكم مرتكب الكبيرة،وزعم أنه في منزلة بين منزلتين،لا مؤمن ولا كافر
وقد انتشرت مقالة المعتزلة ، في حدود المائة الثالثة ، بسبب أحد علمائهم ؛ بشر بن غياث المريسي ، وطبقته ، الذين استمالوا بعض خلفاء بني العباس : " المأمون " و " المعتصم " و " الواثق " (198-232هـ) فنصروا مذهبهم ، وامتحنوا أهل السنة ، وحملوا الناس على القول بخلق القرءان ، إمعاناً منهم في إنكار الصفات ، ومنها صفة الكلام . فابتلي بهذه الفتنة خلق كثير ، وثبَّت الله إمام أهل السنة ؛ أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، فصبر على الضرب والحبس، وحفظ الله به السنة زمن الفتنة،كما حفظ الدين بأبي بكر زمن الردة .
ويقوم مذهب المعتزلة على أصول خمسة هي :
- التوحيد : وحقيقته عندهم نفي الصفات عن الله .
- العدل : وحقيقته عندهم إنكار مشيئة الله وخلقه لأفعال العباد .
- المنزلة بين المنزلتين :وحقيقتها نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة من المسلمين .
- الوعد والوعيد : وحقيقته نفي الشفاعة عمن استحق النار من عصاة الموحدين .
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وحقيقتهما عندهم الخروج على ولاة الجور .
وقد واجه أهل السنة فتنة المعتزلة بتصنيف الردود ، وعقد المناظرات ، كالمناظرة المشهورة ، التي جرت بين عبدالعزيز الكناني ، رحمه الله ، و بشر بن غياث المريسي ، شيخ المعتزلة ، في مجلس المأمون .
9- المتكلمون : هم الذين يسلكون في إثبات العقائد الإيمانية الطرق العقلية ، ويقدمون العقل على النقل ؛ فما وافق عقولهم من النصوص قبلوه ، وما خالف عقولهم ردوه ، أو حرفوه . وقد سلك هذا المسلك طوائف متعددة من فرق أهل القبلة بسبب تعريب الكتب اليونانية والرومانية في المنطق والفلسفة ، وخرجوا بذلك عن منهج أهل السنة والجماعة في تقرير العقائد ، والحجاج عنها .
وتتفاوت الفرق الكلامية في الأخذ بهذا المنهج ؛ فمن مقل ومستكثر . فأشدهم تأثراً : الجهمية والمعتزلة ، ودونهم : فرق " الصفاتية " مثل :
- الكلابية : أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب (243هـ) .
- الأشاعرة : أتباع أبي الحسن الأشعري (260-324هـ) .
- الماتريدية : أتباع أبي منصور الماتريدي (333هـ) .
فهؤلاء المتكلمين حاولوا أن يلفقوا منهجاً من طريقة السلف القائمة على النصوص والآثار ، لأنهم كانوا معظمين لهم ، منتسبين إليهم ، ومن طريقة المعتزلة القائمة على العقل فقط ، فلم يتمكنوا من حل بعض إشكالات المعتزلة ، ووقعوا في التخليط .
وقد تنبه علماء السلف لخطئهم ، فحذروا من طريقتهم ، كما صنع الإمام أحمد مع الحارث بن أسد المحاسبي
قال شيخ الإسلام : ( ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساعي مشكورة ، وحسنات مبرورة ، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع ، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ، ما لا يخفى على من عرف أحوالهم ، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف ، لكن لماَّ التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداءً عن المعتزلة ، وهم فضلاء عقلاء ، احتاجوا إلى طرده ، والتزام لوازمه ، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين . وصار الناس بسبب ذلك : منهم من يعظمهم لما له من المحاسن والفضائل ، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل ، وخيار الأمور أوسطها ) درء التعارض : 2/101 .
10- الصوفية : سموا بذلك نسبة إلى لبسهم الصوف ، وهم طوائف شتى ، وطرائق متعددة ، تتفاوت في درجة انحرافها عن السنة .فمنهم :
- عُبَّاد ، زُهَّاد ، انقطعوا للعبادة ، وآثروا العزلة .
- مبتدعة في الأعمال والسلوك، أضافوا للدين من الأقوال والأعمال ما ليس منه.
- متكلمون في الأحوال والمقامات ، بعبارات مزخرفة ، وترتيبات محدثة .
- مشركون ، قبوريون ، غلاة في الأولياء ، يرفعونهم فوق منزلة البشر .
- باطنيةُ زنادقة ، يقولون بوحدة الوجود ، والحلول ، واتحاد الخالق بالمخلوق .
وقد عُني السلف بإنكار البدع العملية ، كما البدع الاعتقادية ، منذ زمن الصحابة الكرام ؛ فقد روى الدارمي ، بسنده ، أن أبا موسى الأشعري قال لعبد الله بن مسعود ،
ا : يا أبا عبدالرحمن ! إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته ، ولم أرَ ، والحمدلله إلا خيراً ، قال : فما هو ؟فقال : إن عشتَ فستراه ، قال : رأيتُ في المسجد قوماً حِلَقاً جلوساً ، ينتظرون الصلاة . في كل حلقة رجل ، وفي أيديهم حصىً ، فيقول : كبروا مائةً ، فيكبرون مائةً ، فيقول : هللوا مائةً ، فيهللون مائة ، ويقول : سبحوا مائةً ، فيسبحون مائةً . قال : فماذا قلتَ لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك ، أو انتظار أمرك . قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، وضمنت أن لا يضيع من حسناتهم . ثم مضى ، ومضينا معه ، حتى أتى حلقةً من تلك الحِلَق ، فوقف عليهم ، فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن حصىً نعد به التكبير ، والتهليل ، والتسبيح . قال : فعدوا سيئاتكم ، فإنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء . ويحكم يا أمة محمد ! ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء صحابة نبيكم
، وهذه ثيابه لم تبلَ ، وآنيته لم تكسر ! والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد ، أو مفتتحو باب ضلالة . قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، ما أردنا إلا الخير . قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ؛ إن رسول الله
حدثنا أن قوماً يقرؤون القرءان ، لا يجاوز تراقيهم . وأيم الله ، ما أدري ، لعل أكثرهم منكم ! ثم تولى عنهم . فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج ) سنن الدارمي : 68 .
ولم يزل أئمة السلف يحذرون من البدع ، بشقيها العملي ، والاعتقادي ، ويصيحون بالمتصوفة من كل جانب، ويصنفون المصنفات في التحذير من البدع المحدثة. كما صنع ابن وضاح في كتابه ( البدع والنهي عنها ) ، وابن الجوزي في ( تلبيس إبليس ) ، والشاطبي في ( الاعتصام ) ، وأبو شامة في ( الباعث على إنكار البدع والحوادث ) ، وغيرهم .
ويمكن تلخيص جهود السلف الصالح في مقاومة البدع وأهلها بما يلي :
أولاً : البيان بالحجة والبرهان : قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ )(آل عمران: من الآية187) ، فامتثل أهل السنة والجماعة عزمة ربهم ، ولم ينقضوا الميثاق ، وبينوا للناس ما نزل إليهم من ربهم ، فحفظوا السنن والآثار ، وحدثوا بها ، ودونوها . كتب عمر بن عبدالعزيز ، رحمه الله ، إلى عامله على المدينة ، أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (ت117هـ) : ( اكتب إليَّ بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله
... فإني خفت دروس العلم ، وذهاب العلماء . ولا تقبل إلا حديث النبي
، ولْيُفشوا العلم ، ولْيجلسوا حتى يعلم من لا يعلم ، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً ) .
والمكتبة الإسلامية زاخرة بمئات المصنفات السلفية في بيان العقيدة الصحيحة ، من نصوص الكتاب ، والسنة ، والمرويات عن الصحابة والتابعين .
ثانياً : المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن : قال تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125) ، وقد ناظر جمع من السلف خصومهم في مواطن كثيرة ، وأقاموا عليهم الحجة الشرعية ، ومن شواهد ذلك :
- مناظرة الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله ، لأحمد بن أبي دؤاد ، شيخ المعتزلة .
- مناظرة عبد العزيز الكناني ، رحمه الله ، لبشر المرِّيسي المعتزلي .
- مناظرة إسحاق بن راهويه ، رحمه الله ، لمن أنكر صفة النزول .
- مناظرات شيخ الإسلام ابن تيمية لمبتدعة زمانه من الأشاعرة والصوفية .
ثالثاً : التصنيف في الرد على المبتدعة : وهذا باب واسع ، ومضمار طويل ؛ فلا يكاد يوجد عالم معتبر من أهل السنة ، إلا و قد انتصب للذب عن السنة ، ومقارعة أهل البدع . ومن أمثلة ذلك " الرد على الجهمية " ، فقد صنف في ذلك جمع من السلف .
رابعاً : المجاهدة بالسيف والسنان : تقتضي بعض الأحوال مجاهدة أهل البدع بالسيف والسنان ، إذا لم تُجْدِ الحجة والبرهان ، إما لكونهم ذوي شوكة ومنعة ، أو بسبب مقالة يُحكم فيها بردة قائلها ، فيستتاب ، ولا يتوب . ومن شواهد ذلك :
- قتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للخوارج .
- قتل الأمير خالدبن عبدالله القسري (قصاب الزنادقة) للجعد بن درهم، وغيره.
- تتبع الخليفة العباسي ( المهدي ) (158-169هـ) للزنادقة ، واستئصالهم .
- قتال شيخ الإسلام ابن تيمية للنصيرية، واستنزالهم من معاقلهم، وقتل بعضهم .
- قتال الإمامين محمد بن عبدالوهاب ، ومحمد بن سعود ، لمشركي زمانهم .
وقد أئمة السلف يلقون في ذات الله من البلاء والمحنة الشيء العظيم ، فيصبرون ، فلا يزيدهم ذلك إلا رسوخاً في الدين ، ومحبةً وقبولاً من العالمين ، وذكراً في الآخرين . قال ابن رجب،رحمه الله، في سياق ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية،رحمه الله، بعد سجنه : ( بقي في القلعة مدةً يكتب العلم ، ويصنفه ، ويرسل إلى أصحابه الرسائل ، ويذكر ما فتح الله به عليه في هذه المدة من العلوم العظيمة ، والأحوال الجسيمة. وقال عن نفسه: " فتح الله علي في هذا الحصن ، في هذه المدة من معاني القرءان ، ومن أصول العلم بأشياء ، مات كثير من العلماء يتمنونها ، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرءان " . ثم إنه منع من الكتابة ، ولم يترك عنده دواة ، ولا قلم ، ولا ورق ، فأقبل على التلاوة والتهجد والمناجاة والذكر . قال شيخنا أبو عبد الله بن القيم : " سمعت شيخنا ، شيخ الإسلام ، ابن تيمية ، قدس الله روحه ، ونور ضريحه ، يقول : " إن في الدنيا جنة من لم يدخلها ، لم يدخل جنة الآخرة " . وقال لي مرةً " ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، أين رحت فهي معي لا تفارقني . أنا حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة ! " . وكان في حبسه يقول : لو بذلت ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة ، أو قال : ما جازيتهم على ما ساقوا إلي من الخير . وكان يقول في سجوده : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . وقال مرةً " المحبوس من حُبس قلبه عن ربه ، والمأسور من أسره هواه " . ولما دخل القلعة ، وصار داخل سورها ، نظر إليه ، وقال : ( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) . ذيل طبقات الحنابلة .
فرحم الله سلف هذه الأمة على ما حفظوا من دين الله ، وذبوا عن سنة رسول الله. ونسأل الله أن يتبعنا آثارهم ، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، وأن يهب لنا من لدنه رحمةً إنه هو الوهاب . ) رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه / د. أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان القاضي
مناقشة :
1- ما مثال مقاومة الصحابة للبدع الاعتقادية ، و البدع العملية ؟
2- ما أول بدعتين ظهرتا في الإسلام ؟ مع تعريف كل منهما .
3- ما هي البدعة الاعتقادية التي ظهرت في أواخر عهد الصحابة ، ومن أول من قال بها؟
4- من هم المرجئة ؟ ومن أول من قال بالإرجاء ؟ وما موقف السلف منهم ،
5- في أواخر عصر التابعين ظهرت بدعتان تتعلقان بصفات الله ، ما هما ، ومن قال بهما؟
6- لمَ سمي الجبرية بهذا الاسم ، ومن أول من قال بالجبر؟
7- من هم " المعتزلة " ، وما أصولهم الخمسة ، وما حقيقتها ؟
8- ما موقف أهل الكلام من العقل والنقل ؟ مع ذكر بعض فرقهم .
9- ما هي درجات الصوفية في الانحراف ، مع ذكر بعض الكتب في الرد على بدعهم ؟
10- ما هي طرائق السلف في مواجهة البدع مع التمثيل ؟
حسين
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى حسين
زيارة موقع حسين المفضل
البحث عن كل مشاركات حسين