زيارة علي جمعة للمسجد الأقصى

**أبو عائشة السوري** · 05-05-12, 06:48 PM

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
قام علي جمعة مفتي الديار المصرية بزيارة القدس و الصلاة في المسجد الأقصى و هو تحت الاحتلال، و انقسم الناس بما فيهم الكثير من العلماء إلى مؤيد و معارض كما رأينا و سمعنا و شاهدنا
الحق أن هذه المسألة ليست بالهينة و هي بحاجة لشيء من التأصيل و التفصيل و الله ولي السداد و التوفيق
أولاً: انقسم الناس كافَّة من ناحية نصوص الوحي الإلهي أياً كانت ، سواءاً كانت القرآن و صحيح السنة في زماننا، أو حتى التوراة الصحيحة في زمان موسى عليه الصلاة و السلام على سبيل المثال،انقسموا إلى قسمين رئيسيين :
القسم الأول:أهل الاتباع :و هؤلاء لا يأتي أحدهم بحركة و لا بتسكينة إلا و هو يضع نصب عينيه الحديث التالي:{ من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة} جعلنا الله و إياكم ممن يمتثل مضمون هذا الحديث أفضل امتثال و أن يكون عملنا كله صالحاً و لوجه الله خالصاً .
القسم الثاني: أهل الرأي: و هم غالبية الناس و يتسمَّون في زماننا باسم العقلانيين ،و التنويريين ،و أهل الإبداع، و المفكرين الإسلاميين العصريين، و ليتهم وضعوا عقولهم و إبداعهم في ما يعود عليهم و على الأمة بالنفع مثل الطب أو الهندسة أو الحاسوب أو الفيزياء النووية و يتركوا الدين لأهل العلم و الاختصاص و الفهم الذين يتهمونهم بالعقم الذهني و الإفلاس الفكري و البعد عن الواقع ،بل و يتسافه الكثير منهم و يصفونهم بـ (علماء الحيض و النفاس)و نستغفر الله ،يقول أحدهم بينه و بين نفسه أو بينه و بين الناس:لماذا تحتوي ركعة الصلاة على ركوع واحد و سجودين و ليس على ركوعين و سجود واحد؟ لماذا نصوم رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس و ليس إلى أذان العشاء؟طيب أليس تمديد وقت الصيام إلى العشاء ثواب أكثر؟و تقول المرأة منهم: لماذا كلما تكلمتم عن الحجاب أتيتمونا بصفة الحجاب على عهد رسول الله – صلى الله عليه و سلم- زمانهم غير زماننا يا أخي روحوا تعلموا صرنا بالقرن الحادي و العشرين!!!و يقول القائل منهم:"يا أخي مظهر الإنسان بلحية مشوشة و ثوب قصير بشع و مشين و مقزز ،و ليس من المعقول أن يأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بشيء كهذا" و يقول قائلهم:"أنتم دائماً تتشبثون بالقشور و تتركون اللبّ و جوهر الإسلام" و الجدير بالذكر أن مصطلح القشور و اللب ليس من الإسلام من شيء ،يتحدثون عن شعائر الإسلام كما لو أنهم يتحدثون عن تقاحة أو برتقالة أو موزة !!! حتى ولو سلمنا بتشبيههم الركيك ، فليجرب أحدهم عرض الموز و التفاح و البرتقال للبيع بغير قشور، بل إن قشورها تعطيها الجمال و لمسة الطبيعة و الرونق و الأصل الذي خلقها الله فيه،نعود فنقول بأن مصطلح القشور و اللب ليس من الإسلام من شيء،فربنا تبارك و تعالى يقول:
{ ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون } فالعمل الصالح لا يصلح بغير القول السديد الذي عبَّر عنه ربنا تبارك و تعالى بقوله: {كلمة طيبة} كشجرة طيبة أصلها ثابت ، و فرعها في السماء، و تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها و لا مدخل للقشور و الألباب هنا يا أذكياء ،و أكثر كلمة تميزهم و خاصة النساء منهم:"أريد أن أقتنع أولاً بهذه العبادة ثم أؤديها" و أكثر ما يؤلم في أقوالهم وصفهم لأتباع الوحيين المطهرين – و لا نزكي على الله أحداً- بأنهم يسمعون و يصدقون كل شيء و ينفذونه حرفياً، و هذه لا تذكرني إلا بقوله تبارك و تعالى في وصف حال المنافقين :
{ ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أُذُن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم}لقد وصفوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بأنه أُذُن ،و معناها كما قال الجوهري رحمه الله :
{ ومرادهم أقمأهم الله أنهم إذا آذوا النبي – صلى الله عليه و سلم- وبسطوا فيه ألسنهم وبلغه ذلك اعتذروا له وقَبِلَ ذلك منهم لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدقه أنه أذن مبالغة لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع }.
و أما عن قولهم:"لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن الدين يسر و أنتم تتشددون في كل شيء" نقول لهم: التيسير يأتي بأمرين:الأول: التعرف على الحكم الشرعي الصحيح و الرخصة الصحيحة و هذا لا يأتي إلا بامتثال قول رسول الله صلى الله عليه و سلم:{طلب العلم فريضة على كل مسلم} و الأمر الثاني:و كما قال أهل العلم:{المشقة تجلب التيسير}فنحن نستيقظ لصلاة الفجر من أطيب نوم و نقضي نهارنا في راحة نفسية لا توصف، أما من تعود على أن يصلي الفجر بعد طلوع الشمس كان الله في عونه و التجربة خير برهان و دليل.
و سفاهات و تفاهات هؤلاء القوم كثيرة و لن نطيل الكلام عنها أكثر من ذلك و نسأل الله السلامة و العافية في الدنيا و الآخرة
و لقد تنبه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم إلى هذه المدرسة و منذ البداية، و لأمير المؤمنين علي و أرضاه مقولة ذهبية تنسف بنيان هؤلاء من القواعد، يقول و أرضاه:{ لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله يمسح على ظاهر خفيه}صححه الألباني في صحيح أبي داود برقم 147،معنى قول علي و أرضاه،أن الدين لو كان بمقياس الرأي حتى يتم الرفض و القبول على مزاج الناس على اختلاف درجات إيمانهم و يقينهم و
طباعهم و علمهم و جهلهم و ... لكان الأولى بمن يرتدي الخفّ بقدميه أن يمسح أسفله بدلاً من أعلاه، لأن أسفله أكثر تعرضاً من أعلاه للقاذورات في الطرقات و غيرها، و المعنى واضح إن شاء الله .
لكن أهل العلم حفظهم الله و رحم من مات منهم يعرفون جيداً كيف يميزون بين هؤلاء المتعنِّتين المتمنطقين، و بين من يسأل من باب التعلم و استجلاب الخير و استدفاع الشرور،فلقد جاء رجل إلى إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله و قال له: كيف الاستواء يا إمام؟(يقصد استواء الرحمن عز و جل على عرشه ) فأجابه الإمامالاستواء معلوم، و الكيف مجهول ، و الإيمان به واجب، و السؤال عنه بدعة، و إنني لأراك رجل سوء) فأمر أصحابه بإخراجه و أخرجوه .
ثانياً:بالنسبة لزيارة علي جمعة مفتي الديار المصرية،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:{ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى}أخرجه البخاري و مسلم و صححه الألباني في سنن أبي داود برقم 1788 و اللفظ لأبي داود رحمهم الله جميعاً.
فشدّ الرحال إلى هذه المساجد سنة صحيحة واردة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ،طبعاً شدّ الرحال إلى هذه المساجد حصـــراً و لا يجوز إلى غيرها إطلاقـــاً، و زيارة المسجد الأقصى بناءاً على ذلك سنّة و لا يحق لأحد تعطيلها أو تقييدها بمبررات سخيفة .
فإن قال قائل: تصريح الزيارة فيه مشقة كبيرة و تضييق من اليهود الأنجاس الأرجاس، قلنا : كذلك فلقد شدَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم الرحال إلى المسجد الحرام مع أصحابه قبيل صلح الحديبية، و لقد كان البيت الحرام تحت وصاية المشركين، و كان مليئاً بالأصنام، و لقد بلغ التضييق على رسول الله صلى الله عليه و سلم و من معه مبلغاً لا يطاق، لدرجة أنهم رجعوا في عامها دون أن يدخلوه و دخلوا في العام التالي ، بل و وافق رسول الله صلى الله عليه و سلم على شروط صلح الحديبية على مضضٍ من الصحابة رضوان الله عليهم كما نعلم من السيرة العطرة ،و للأسف الشديد،احتج أحد المشايخ على إحدى الفضائيات و قال:{ إن عثمان بن عفان لما دخل وقتها إلى مكة المكرمة دعاه أقاربه المشركون من بني أمية للطواف حول الكعبة فأبى إلا أن يكون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ،كذلك فالواجب علينا ألا ندخل إلى القدس إلا و هي محررة} استغربت من استدلال هذا الشيخ بهذه الحادثة، طيب لو سمح المشركون لرسول الله صلى الله عليه و سلم و من معه في لحظتها بالدخول و الطواف مع عثمان و أرضاه ، أ وليسوا داخلين و خارجين و معتمرين تحت حراب المشركين و ضمن شروطهم و تقييداتهم؟ و نقول لشيخنا الفاضل:{إذا كان دخول المسجد الحرام و هو تحت حراب المشركين غير جائز شرعاً، فبأي نية و بأي مقصد شرعي تحرك رسول الله صلى الله عليه و سلم و من معه من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة وقتها أصلاً؟و كانوا أيضاً عزلاً من السلاح!!! ألم يدخلوا معتمرين في السنة التالية مباشرة إذا كنت قد قرأت السيرة العطرة؟ ألم يكن دخولهم في السنة التالية قبل فتح مكة المكرمة بأعوام؟؟؟؟؟}
بناءاً على ذلك ، فمن عقد العزم لشدِّ الرحال إلى المسجد الأقصى فلم يستطع الوصول إليه فله ثواب النية بإذن الله تعالى، و من واجهته صعوبات، و حواجز، و تصريحات دخول و خروج،فليتذكر أنه أتى على ظهر طائرة أو سفينة أو حتى سيارة، و كان أجدادنا يحجّون على الإبل و الخيول، و منهم من كان يحج ماشياً .
و احتج نفس الشيخ السابق على نفس الفضائية في نفس البرنامج و قال:{درء المفسدة الكبرى مقدم على جلب المصلحة الصغرى، و المفسدة هي الكيان الصهيوني، و المصلحة هي هذه الزيارة القصيرة للقدس، و الأَولى هو الاستمرار في مقاطعة الصهاينة حتى نغلق كل أبواب التطبيع}
نقول: عندما يأتينا رجل و يقول :"سأذهب إلى القدس بقصد زيارة أحد الحاخامات لتعلم الديانة اليهودية" نقول له:" إنك بهذا مرتد عن دين الإسلام و زيارتك للقدس لا تجوز"
و عندما يأتينا رجل و يقول:"سأذهب إلى القدس للتطوع في الموساد أو الشين بث الإسرائيلي" نقول له:" لا شك أنك مريض، نسأل الله أن يشفيك"
و ما هي الثمار التي جنيتموها طيلة سنوات المقاطعة يا مساكين؟ و من قال لكم أصلاً بأن الصهاينة بحاجة إلى أموالكم!!! لا تتاجروا مع الصهاينة و لا تتعاملوا معهم نهائياً ،ما يهمنا قضية واحدة ،ألا و هي هذه السنة المهجورة تحت ذرائع أتفه من التفاهة، يا لله ،كيف ضحك علينا هؤلاء المتفلسفة فطاحل الممانعة و الممايعة جهابذة التحليل السياسي و التركيب الاستراتيجي المتثاقفين المتعالمين كل هذا الوقت بطنطناتهم و مفرقعاتهم الإعلامية و بهلوانياتهم و هرجهم و مرجهم !!! أ وليس حَرِيَّاً بنا مواساة إخواننا مسلمي القدس في ضرائهم و معاناتهم مع أقذر شعب على وجه الكرة الأرضية؟ و بغض النظر عن أنها سنة مهجورة،مقاطعة بيت المقدس عقوبة لأهله من المسلمين بالدرجة الأولى،على هؤلاء الأذكياء أن يفهموا بأن أهل بيت المقدس ظلوا طوال هذه السنوات معزولين عن العالم فريسة للتهويد و الحصار و تحت رحمة اليهود،ثم إنهم يشنِّعون على علي جمعة و يقولون :" ماذا قدم علي جمعة للفلسطينيين؟ هل زار جرحاهم؟ هل ساعد فقراءهم؟ هل واسى أهالي المعتقلين؟" و نقول لهؤلاء:
"كفاكم جعجعة و هرطقة و طنطنة و ضحكاً على عقول المسلمين المساكين، و كفانا منكم شعارات و فلسفات و خطابات رنانة و عواطف مهترئة، اتركوا علي جمعة و شأنه، و تفضلوا أنتم بزيارة بيت المقدس ، و الصلاة فيه،
و مداواة الجرحى، و مواساة أهالي المعتقلين و أهل بيت المقدس، و لا تتعاملوا نهائياً مع اليهود!!!"
و المضحك أن الشيخ السابق نفسه احتج علينا في نفس البرنامج بقوله:" حتى البابا شنودا، عندما سألوه عن زيارة كنيسة القيامة قال بالحرف الواحد : لن ندخل القدس إلا بعد أن تتحرر من أيدي اليهود يداً بيد مع أخوتنا المسلمين" لو أن شيخنا الفاضل يعرف شنودا لما تكلم بمثل هذا الكلام ، و لا يتسع المقام هنا للحديث عن مآثر شنودا على أخواننا المسلمين في أرض الكنانة مصر و لن نضيع الوقت بالكلام عنه و تكفينا قضية أختنا كاميليا شحاتة المنسية في خضم المعمعة التي جرت في أرض الكنانة مصر فرَّج الله عنها و عن جميع بلاد المسلمين و التي كان أقباط الأرثوذكس طرفاً من أطرافها كما نعلم جميعاً ، و نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقنا صلاة في المسجد الأقصى و هو محرر أو شهادة على عتباته ... اللهم آآآمين يااا رب العالمين
و ما كان من صواب و سداد و توفيق فبفضل من الله وحده لا شريك له، و ما كان من خطأ أو تقصير أو نسيان فمني و من الشيطان ، و الله و رسوله صلى الله عليه و سلم منه براء
سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك و أتوب إليك