(24)
قال الشيخ رحمه الله :
(بل كل من احتج بالقدر فهو متناقض ...)
- نقول إذا طرد انكشف أنه وهم من الشيطان .
وليس أنه قضية نظرية تحتاج إلى أجوبة مفصلة ومحاورة
فالإتيان عليه من أساسه كما قال الله تعالى لإن الحق يأتي لإزالة أصول الباطل .
-دائماً الباطل لايلاقي الحق بوجه من الوجوه .
( ويقال لم احتج بالقدر إن كان القدر حجة فدع كل أحد يفعل مايشاء بك أو بغيرك ...)
وهذا لايقوله أحد من بني آدم لامن المسلمين أو غيرهم ولامن العقلاء ولا المجانين
بل مبدأ المدافعة وتمييز العدل من الظلم وتمييز الصحيح من الخطأ
كامن في نفوس الناس وفطرهم فيما يحتاجون إليه في شؤونهم الخاصة .
- ذكر أصحاب هذه المقالة لإنهم متناقضون ( الذين يحتجون بالحقيقة الكونية أي يحتجون بالقدر )
لايطردون هذا القول ولايلتزمونه فلم يطرده أحد من بني آدم
فلما صار طرده ممتنعاً علم أن أصله ممتنع .
لإن الحكم على الكل يرجع بالحكم على الجزء .
- من يرى ارتفاع الأمر والنهي عمن شهد الحقيقة الكونية( أن الله هو المتصرف فيه كما يحرك سائر المتحركات ) قول غلاة انتسبوا للتصوف وهم شذاذ في هذه المادة الذين أسقطوا بعض مقامات الشريعة عن أنفسهم بأنهم من خاصة الخاصة وأن لهم عبادة سراً بينهم وبين الله ليست كعبادات المسلمين كالصلاة وقيام الليل والصيام المشروع .
فلهم عبادات من السر الذي لم يتحدث به الرسول

ولاذكره القرآن
وربما يدعون أن القرآن ذكره فيأخذون ذلك في جمل من سياق الآيات
مثل قوله تعالى( فاخلع نعليك ) فيقولون خلع النعلين سر من العبادة
ويجعلون لها أوصافاً مخترعة من عند أنفسهم
فهذا خطاً في تفسير الآية من أصله وخطأفي ترتيب العبادات من أصله
لإن العبادات لايرتبها إلا الشارع ( شرع لكم من الدين ماوصى به نوحاً ..) الآية
( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ...) الآية
فالأنبياء يتبعون ماأمرهم الله به والتشريع هو حق لله سبحانه وتعالى لاشريك له .
- قد يوهمون العامة بشبهات اختصوا بها من أحوالهم وضلالهم وبطلانهم
ويدعون أن طريقتهم هي ما كان عليه الخضر وهذه طريقة باطلة
فإن الخضر كان متبعاً لما أنزل الله سبحانه وتعالى ولم يكن نبياً
وموسى

رسول الله وصارت بينهم المصاحبة المذكورة في سورة الكهف
وهو أفضل عند الله من الخضر وفي حكم الله وهو من أئمة الرسل وأولي العزم
ولهذا لماذكر الشفاعة في مقامهما الأعظم جاء الناس لآدم ثم لنوح ثم لإبراهيم ثم لموسى كليم الله
ثم جاء لعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ثم لمحمد
ولم يذكر الخضر في هذا المقام فهو من المسلمين المتبعين للأنبياء وجعل الله له فضلاً في العلم وفضلاً في الرحمة -وهذا غاية أمره -فهو رجل من الصالحين آتاه الله علماً رحمه فقه بها دين الله الذي أتبعه من اتبعه من الأنبياء .
لكن مقام موسى عليه الصلاة والسلام في العلم والفضل أبلغ من مقام الخضر بإجماع العلماء .
- الخضر لم يفعل ما فعل لإنه سقط عنه التكليف عن اجتهاد أو سلوك أو حال
اخبر الله عنه ( ما فعلته عن أمري )
ولهذا أخبر النبي

بأن الغلام الذي قتل الخضر طبع كافرأ .
- إذا أبطلت هذه الطرق المبتدعة في الإسلام فهذا لا يعني أن تحقيق الولاية مما لايتفاضل العباد فيه
بل العباد متفاضلون في تحقيق العلم بالله وفي تحقيق عبوديته وفي الاستجابة لأمره
ولهذا كان أئمتهم من الصحابة بعد الأنبياء وكالحواريون أتباع عيسى بن مريم وأمثال هؤلاء
فقد آتاهم الفقه في الدين والصدق في العبادة وتحقيق العلم بالله وربوبيته وبإلهيته وأسمائه وصفاته
وهذه مقامات يتفاضل بها العباد تفاضلاً بالغاً لايحيط به إلا الله تعالى .
ولهذا ماكان الصديق

كان على مقام من العلم بالله ومعرفة حق الله وخضوع قلبه وخشوعه لله وهذه الأعمال لايحيط بها الناس
ولهذا قال طائفة من السلف وورد عن الحسن البصري ( ما سبقهم أبوبكر بكثرة صيام ولاصلاة ...)
التفضيل ليس للأمر العبادي الظاهر -وإن كان هذا مما يفضل به- لإن ليس في الشريعة الأمر الظاهر المجرد
ولكن كان له من مقام من أحوال النفوس والقلب فقد خضع وأخبت قلبه لله
فالصديق هو أعظم هذه الأمة بعد نبيها محمد

خضوعاً وخشوعاً لله
-ابطال هذه الطرق المبتدعة المتكلفة التي أوجدت تمانعاً بين حقائق الشريعة من حقائق الربوبية وحقائق الألوهية حتى نقصت أحد المقامين بوجه من النقص باسم دليل العقل تارة وباسم الأحوال والتصوف تارة
فهذه الطرق الباطلة لاتغلق مقام الحقيقة الشرعية والفضل الذي فضل الله به أوليائه على غيرهم
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء بمايؤتي العبد من العلم والإيمان واليقين والصدق والبر التي لايحيط بها إلا الله
وجاءت الشريعة بأن هذه الأمة متفاضلة حتى الرسل متفاضلون ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) وإن كان نهينا عن الاشتغال بالتفضيل فقد فضلهم الله بمقامات .
ونبينا محمد

يقول في مقام الشفاعة ( ثم يفتح الله علي بمحامد شيئاً ) فهذا أحد مقامات العبودية وهو تحقي الثناء على الله ويفتح في مقام الصلاة والاستغفار ويفتح في مقام التذلل لله عزوجل .
( نهاية الشريط الخامس )