37) عباد الله الذين صدقوا الله ليس للشيطان عليهم نصيب( إلا عبادك منهم المخلصين )
-لماقضي الأمر (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ...)
-عند ابتداء الأمر ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) ليس بيده إلا التزيين فقط
38)التزيين المزيف وهو - نقل للشي عن حقيقته الصحيحة المقتضية لتركه إلى صفة وهمية تحرك بعض النفوس إليه -
وهو - قلب الحقائق الفاسدة إلى وهميات حسنة تتزين في نفوس بعض النفوس المتعلقة بأوهام الشيطان -
39)سبب الشيطان قاصر بل أبلغ سبب قاصر هو سبب الشيطان في مقابل السبب الأعظم وهو النور الذي جعله الله في نبوة الأنبياء ولامقارنة بينهما البته قال تعالى ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا )
- كل سبب من أسباب الباطل الحسية والمعنوية قابلت الأسباب الشرعية الحسية أو المعنوية العلمية صارت أسباباً قاصرة فيما يقابلها -
كماحتى في السحر - مع أن السحرة يجتالون كثيراً من الناس وهذا معروف في الأمم والخوف من السحرة وتلاعبهم وأثرهم
ولكن لماجاء السبب الشرعي الذي قضى به الله أمراً كونياً وهو قوله جل وعلا ( ولايفلح الساحر حيث أتى )
لإن ذلك السحر الذي جاء في قصة فرعون وجنوده قابله الله تعالى ذلك الأمر الإلهي لما أمر عبده ونبيه موسى أن يلقي عصاه
- قال تعالى (فإذا هي حية تسعى ) ماصار هناك مقابل بين الأمرين
-يخيل إليهم من سحرهم -جانباً وهمياً
-فإذا هي حية تسعى - حقيقة .
40) السحر له حقيقة ولكنها قاصرة وليست الحقيقة المطلقة التي يوهم بها السحرة .
41) المحبة نتيجة لماشرع الله فإن الله يحب من عباده أن يتقربوا إليه بماشرع بل لايصح منهم أن يعبدوه إلا بماشرع .
ولذلك من أصل دين الإسلام إن لايعبد الله إلا بماشرع
كما في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا ماليس منه فهو رد )وقال صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ).
42) من فقه المصنف أنه بين أن الأسماء الشرعية -التي ذكرها الله في كتابه - تذكر :
أ- تارة باسم الفاعل . ب- أو تارة بصيغة المصدر باعتبارها فعلاً .
ج- تارة باسم الفعل نفسه .
فإن هذه الأسماء كالعبادةوالتقوى والإيمان والإسلام والإحسان والقانتين والصادقين والمتصدقين - التي ذكرها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بأوجهها المختلفة .
فإنها أسماء جامعة لمعنى الدين ويكون الخلاف بينها تنوع بهذا الاعتبار .
43)ومعنى أن الأسماء الشرعية جامعة باقتضاء المطابقة لبعض مقاماته
والتضمن لبعض مقاماته واللزوم لبعض مقاماته .
بل بعضها يكون مركباً من المطابقة المطلقة أو مركباً من دلالته من المطابقة والتضمن .
44) إذا دُخِل في الأسماء المفصلة على آحاد الأفعال صار شمولها باعتبار اللزوم على هذا التقدير وهذا من كمال هذه الأسماء الشرعية .
45) الأسماء الشريعة جامعة للدين إما بالمطابقة المطلقة كاسم الإيمان فإنه مطابق لكل ماشرع الله
فإن كل ماشرع الله كما هو مذهب السلف وجاءمتواتراً في الكتاب والسنة أن -الإيمان قول وعمل واعتقاد أو قول وعمل كما هي عبارة أكثر السلف أي
( قول القلب وقول اللسان وعمل القلب وعمل الجوارح )
والإيمان جميع الأعمال الشرعية تسمى إيماناً
فلذلك دلالته على الشريعة دلالة مُطابِقَة
كل ماشرع فهو إيمان ويسمى آحاده إيماناً كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في الصحيح
( الإيمان بضع وسبعون شعبة ) فهي خصال الإيمان وشعب الإيمان فهذا من كمال الأسماء الشرعية .
46)الأسماء الشرعية هي الأسماء المحمودة أن يكون البيان والحق مبيناً بالأسماء الشرعية لها دلالاتها من حيث التشريع فكل اسم يتضمن دلالة إما دلالة عامة أو دلالة خاصة .
-الدلالات الخاصة إما تتضمن تارة أو تستلزم غيرها من المعاني- فصارت هذه الأسماء مقتضية للدين وجامعة له
وإن كان بعضها -من جهة البيان - أجمع من بعض باعتبار السياق تارة إو إطلاق الاسم في اللغة تارة أخرى من جهة الخصوص والعموم أو التقييد والإطلاق-
سواء كان التقييد بالألفاظ أو التقييد بالصفات- وهما نوعان مختلفان .
47)تتدبر هذه المعاني عند التحقيق وهي كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا ماجعل الله اسم العبادة واحداً
والخطاب في هذا المقام -التفصيل أو مقام العموم والإجمال -كلاهما مماشرع الله به البيان للدين
فهذا هو أتم البيان وأصدق البيان .
ولهذا لإن الدين لم يأت بهذه الأسماء على سبيل التضاد أو الاختلاف .
وأما التضاد فبإجماع المسلمين فليست متضادة .
48)وأما الذي وقع فيه التوهم- في الأسماء الشرعية - أنها كما يقال في المنطق أنها من باب الخلافين -الأسماء الخلافيه -
وربما أجروا ذلك على تجريد اللغة تارة أو تجريد المنطق تارة أخرى .
-الأسماء الشرعية لاتؤخذ بتجريد اللغة ولايتجريد المنطق من باب أولى .
49) الدين يسمى ماكان حقاً وماكان باطلاً ( لكم دينكم ولي دين ) .
50) لما قال العلماء أن أصل العبادة ( الذل )
لاعلى سبيل قصر اقتضاء الأصل لهذا المدلول .
لإن العبادة جامعة للخضوع ومايقتضيه مقام الخوف ومايقتضيه مقام الرجاء ومايقتضيه مقام المحبة .
لهذا صارت الأوجه الثلاثة ( المحبة -الخوف -الرجاء ) من جوامع مقاصد العبودية
فتجد عامة الصفات العبادية ترجع إما إلى صفة المحبة
وإما ترجع إلى صفة الخوف
وإما ترجع إلى صفة الرجاء
فهذه الصفات الثلاث جامعة وعامة الصفات ترجع إليها وتقتضيها هذه الصفات الثلاث .
51) العبادة ليست الذل وحده لإن الذل الذي لايصاحبه محبة ولاعلم فليس من العبادة التي شرعها الله -ليست الذل المنفك عن محبة الله -
كذل الضعفاء لكبرائهم وذل العبد المملوك لسيده هذا ذل عبودية البشر .
العبد المسلم يعبد الله محبة ويعبده خوفاً ورجاء ومقام الذل لله داخل في هذه المقاصد ولكن الاسم الشرعي يكون باسم الإخبات تارة وتارة باسم الخشوع وتارة باسم القنوت وهذه الأسماء أزكى .
لإنه إذا كان خشوعا ً فيصاحبه العلم فأصدق الناس خشوعاً أصدقهم علماً ولهذا قال الله
( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)
لذلك جعل الله من أخص صفات المؤمنين الخشوع في الصلاة لإن الخشوع من أخص مايدل على تحقيق العلم الإلهي في نفس العبد وفقهه في الدين ومعرفته الصحيحة لربه سبحانه وتعالى .
52) الأسماء الشرعية للعبادة من بيان القرآن بعضه ببعض ليس تفسيراً منغلقاً بل تجتمع هذه الدلالات بالعلم بكتاب الله سبحانه وتعالى وفي تدبره .
53) هذه الأسماء الشرعية تسمى ببيانها الشرعي ولاتنقل إلى أسماء معروفة في لغة العرب ولم ينطق بها القرآن أو الحديث سواء كانت بصيغة الفعل أو المصدر أو اسم الفعل لإن بيانها بهذه الأسماء إغلاق وقصر وليس بياناً ونشراً للمعنى .
54) مامن كلمة استدعيت من اللغة ولو من فصيحها إلا والكلمة التي جاء بها القرآن أبلغ منها في هذا المقام ولابد ولاشك بخلاف توصيف الأفعال كالصلاة والصيام .
55) تعرف الأسماء الشرعية (-كالتقوى والإيمان والعبادة - بالأسماء الشرعية والمفردات
فكلما كان الاسم معبراً عنه بالكلمات الشرعية فهذا أبلغ في العلم والفقه .
فإذاقلت في اسم (الإيمان : اسم لما شرع الله ) فكلمة شرع سياق شرعي قال تعالى
( شرع لكم من الدين ماوصى به نوحاً ) وهكذا في عموم كلمات الشريعة في هذا الباب .
56) مراتب المحبة ذكرها أهل السلوك والأحوال فيقال ( متيم ) بلغ من الحب درجة التذلل لمحبوبه .
هذه المراتب ليست على إطلاقها وليس مايذكره أرباب الأحوال والنظريات في هذا
وإنما يذكرها المصنف في مقامات توصيف كلام أهل الأحوال في ذلك .
57) بين المصنف -رحمه الله- أن الله تعالى لايليق بحقه بعض هذه الأسماء -أن يكون العبد مع ربه ببعض هذه الألفاظ ليس ملاقياً للصحيح البته .
58) سمى العبد المملوك عبداً باعتباروقوع مادة الذل لكن العبودية لله تعالى مغايرة لهذا المعنى .
59) (بل يجب أَن يكون الله أحب إِلَى العَبْد من كل شَيْء وَأَن يكون الله عِنْده أعظم من كل شَيْء بل لَا يسْتَحق الْمحبَّة والخضوع التَّام إِلَّا الله وكل مَا أحب لغير الله فمحبته فَاسِدَة وَمَا عظم بِغَيْر أَمر الله فتعظيمه بَاطِل )
وهذا المعنى يقرره بعض أهل السلوك والتصوف وإن كان بعض الصوفية يبالغ فيه وهو مايسمى -الفناء-
والفناء أوجه عند أرباب السلوك والتصوف
منه مايكون محموداً في جملته من جهة معناه وإن لم يكن الاسم قد ورد به شئ
ومنه مايكون مذموماً من جهة معناه ولكنه لايوصل إلى درجة المفارقة لمقامات الأصول الكلية أو الكبرى في الدين .
ومنه مايكون درجة غالية بالغة الشطط والانفكاك عن مقاصد العبادة في الشريعة .
60) أقسام الفناء عند أرباب الأحوال ثلاثة :
أ) فناء عن إرادة السوى وهذاالذي يقول المحققون من الناظرين في كلام أهل التصوف
وهم من أرباب السنن والآثار -كشيخ الإسلام ابن تيمية وهذا من عدله وإنصافه وسعة علمه ونظره -
هذا فناء محمود وإن كان الاسم ليس مماورد وإنما يعبر عنه بالعبادة والإيمان والتقوى والإخلاص .
لكن معناه- الفناء- عن ماسوى الله باعتبار الإرادة فلايريد العبد إلاماأراده الله فلذلك مانهى الله عنه ولم يرده من عباده يتركها ابتغاء رضوان الله فتكون إرادة العبد على هذا القصد من تحقيق أمر الله تعالى والانتهاء عن نهيه فهذا معنى من أصل دين الأنبياء وإن لم يكن الاسم الملاقي له بل الاسم الذي سمي في الشريعة هو اسمه وهو جملة أسماء كماسبق .
ب) فناء عن شهود السوى .
وهذا فيه تغليب لمقام الربوبية على مقام العبودية حتى ربما اسقط صاحبه وسالكه بعض مقامات الأمر أو قصر فيها أو في تحقيقها شهوداً لمقام الربوبية
وهذا من المخالفة باعتبار ومن ضعف الفقه في الدين باعتبار وهذا قدر متلازم
فكلما وقعت المخالفة كلما وقع نقص العلم - اذا وقعت المخالفة نقص العلم وأصاب العبد مادة من الجهل .
وإذا استحكمت المخالفة والخطيئة بالعبد فقد استحكم به الجهل -قدر متلازم
من بلغ التحقيق في العمل فقد بلغ التحقيق في العلم ولابد ولذا فأئمة العلم هم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام .
وهذا الفناء يذكره كثير من الصوفية وهم قاصدون فيه لتحقيق مقام الربوبية لله والرضاء بقضاء الله وقدره وهذا المقام في أصله من مقامات الإيمان الكبرى
ولكن هذا التمانع الذي لم ينضبط لهم فقهه هو نقص في العلم ونقص في تحقيق الأمر والنهي وهم في هذا العارض المقارن للأحوال درجات .
وبقدر مايفوتهم من التحقيق في هذا المقام إلاأنهم يصيبون مقامات من التحقيق الصحيح أيضاً فتكون حالهم مختلطة بين الحالين وهذا هوالذي يقارن كثيراً من أهل الأحوال .
وقد يقارن بعض أهل الأحوال هذا المقام هذا المقام مع المقام الذي قبله وهذا بحسب قربهم من السنن والآثار وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وفقههم لكتاب الله سبحانه وتعالى .
لهذا من كان متتبعاً للسنن كالجنيد بن محمد رحمه الله وغيره من اصحاب التصوف الذين انتظم قصدهم لاتباع السنة والجماعة واتباع الهدي سلموا من عامة هذا الآثار الناقصة .