الْبَرَكَةُ مَا يَتَضَمَّنُ مِنْ الِاسْتِيقَاظِ , وَالدُّعَاءِ فِي السَّحَرِ , وَالْأَوْلَى أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي السَّحُورِ تَحْصُلُ بِجِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ , وَهِيَ :
اتِّبَاعُ السُّنَّةِ , وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَالتَّقَوِّي بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالزِّيَادَةُ فِي النَّشَاطِ ,
وَالتَّسَبُّبُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ إِذْ ذَاكَ , وَيَجْتَمِعُ مَعَهُ عَلَى الْأَكْلِ ، وَالسَّبَبُ لِلذِّكْرِ , وَالدُّعَاءُ وَقْتَ مَظِنَّةِ الْإِجَابَةِ , وَتَدَارُكُ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَغْفَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ ,
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : هَذِهِ الْبَرَكَةُ يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ , فَإِنَّ إِقَامَةَ السُّنَّةِ تُوجِبُ الْأَجْرَ وَزِيَادَةً , وَيَحْتَمِلُ الْأُمُورَ الدُّنْيَوِيَّةَ كَقُوَّةِ الْبَدَنِ عَلَى الصَّوْمِ ,
وَتَيْسِيرِهِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِالصَّائِمِ قَالَ : وَمِمَّا يُعَلَّلُ بِهِ اسْتِحْبَابُ السَّحُورِ الْمُخَالَفَةُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُمْ , وَهَذَا أَحَدُ الْأَجْوِبَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلزِّيَادَةِ فِي الْأُجُورِ
الْأُخْرَوِيَّةِ قَالَ :
وَقَدْ وَقَعَ لِلْمُتَصَوِّفَةِ فِي مَسْأَلَةِ السَّحُورِ كَلَامٌ مِنْ جِهَةِ اعْتِبَارِ حِكْمَةِ الصَّوْمِ , وَهِيَ كَسْرُ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ , وَالسَّحُورُ قَدْ يُبَايِنُ ذَلِكَ قَالَ : وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ :
مَا زَادَ فِي الْمِقْدَارِ حَتَّى يَعْدَمَ هَذِهِ الْحِكْمَةَ بِالْكُلِّيَّةِ , فَلَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ كَالَّذِي يَصْنَعُهُ الْمُتْرَفُونَ مِنَ التَّأَنُّقِ فِي الْمَآكِلِ , وَكَثْرَةِ الِاسْتِعْدَادِ لَهَا , وَمَا عَدَا ذَلِكَ تَخْتَلِفُ مَرَاتِبُهُ .