باب أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم
هو الغلو في الصالحين
والغلو هو مجاوزة الحد بأن يجعل للصالحين من حقوق الله الخاصة به شيء ,
فإن حق الله الذي لا يشاركه فيه مشارك
هو الكمال المطلق , والغنى المطلق ,
والتصرف المطلق من جميع الوجوه ,
وأنه لا يستحق العبادة والتأله أحد سواه ,
فمن غلا بأحد من المخلوقين حتى جعل له نصيبا من هذه الأشياء
فقد ساوى به رب العالمين وذلك أعظم الشرك ,
ومن رفع أحدا من الصالحين فوق منـزلته التي أنزله الله بها
فقد غلا فيه وذلك وسيلة إلى الشرك وترك الدين .
والناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام :
أهل الجفاء
الذين يهضمونهم حقوقهم ولا يقومون بحقهم من الحب والموالاة لهم والتوقير والتبجيل ,
وأهل الغلو
الذين يرفعونهم فوق منـزلتهم التي أنزلهم الله بها ,
وأهل الحق
الذين يحبونهم ويوالونهم ويقومون بحقوقهم الحقيقية
ولكنهم يبرأون من الغلو فيهم وادعاء عصمتهم ,
والصالحون أيضا يتبرأون من أن يدعوا لأنفسهم حقا من حقوق ربهم الخاصة ,
كما قال الله عن عيسى
:
( سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ )
[ سورة المائدة : الآية 116 ]
واعلم أن الحقوق ثلاثة :
حق خاص لله لا يشاركه فيه مشارك
وهو التأله له وعبادته وحده لا شريك له ,
والرغبة والإنابة إليه وحده
حبا وخوفا ورجاء ,
وحق خاص للرسل
وهو توقيرهم وتبجيلهم والقيام بحقوقهم الخاصة :
وحق مشترك
وهو الإيمان بالله ورسله , وطاعة الله ورسله , ومحبة الله , ومحبة رسله :
ولكن هذه لله أصلا وللرسل تبعا لحق الله ,
فأهل الحق يعرفون الفرقان بين هذه الحقوق الثلاثة
فيقومون بعبودية الله وإخلاص الدين له ,
ويقومون بحق رسله وأوليائه على اختلاف منازلهم ومراتبهم
والله أعلم .