الحلقة الخامسة والثلاثون
مخاطبة لكل عقل متحرر من سوادات العواطف الجیاشة الخادعة
الغیر مستندة إلى دلیل واقعي فضلاً عن عقلي .
سرقة أو اغتصاب أبو بكر لمیراث الزھراء - علیھا السلام - أمر
أحدث شرخاً كبیراً في المذھب الأثنى عشري لما فیھ من تناقضات
روائیة تفید بان المغتصب لم ینعم بما اغتصبھ ، ولكنھ على العكس فقد
كان أمیناً بوعده لأھل النبي - صلى االله علیھ وآلھ ..
جاء في شرح نھج البلاغة لابن البحراني 5/ 107 أن أبا بكر قال
لفاطمة - علیھا السلام : - أن لك ما لأبیك ، كان رسول االله - صلى االله
علیھ وآلھ - یأخذ من فدك قوتكم ، ویقسم الباقي ، ویحمل منھ في سبیل
االله ، ولكِ على االله أن أصنع بھا كما كان یصنع ، فرضیت بذلك
وأخذت العھد علیھ .. "
وجاء ھذا الذكر أیضاً في الدرة النجفیة ص 331 ، 332 ط إیران
للدنبلي في شرحھ ..
وھذا وعد منھ أن یعطیھم قوت فدك وما تخرجھ فدك من خیرات ،
وھذا دلیل على أ نھ لیس مغتصب للأرض ، ولكنھ مطبقاً لما سمعھ من
النبي - صلى االله علیھ وآلھ ..
ولكن ھل یوجد دلیل على أنھ وفى بوعده ؟ .
سنرى الدلیل على إیفائھ بوعده من شروح نھج ا بل لاغة للبحراني وابن
أبي الحدید وعلي النقي في شرح النھج وھو كتاب فارسي اللغة ..
إن أبا بكر كان یأخذ غلتھا أي فدك فیدفع إلیھم - أي أھل البیت -
منھا ما یكفیھم ، ویقسم الباقي ، فكان عمر كذلك ، ثم كان عثمان كذلك
، ثم كان علي كذلك " ..
بل الأدھى من ذلك ھو ذاك الدلیل من أمیر المؤمنین - علیھ السلام
- في روایة " إن الأمر لما وصل إلى علي ابن أبي طالب كُلم في رد
فدك ، فقال : إني لأستحي من االله أن أرد شیئاً منع منھ أبو بكر وأمضاه
عمر " ..
وھذا جاء في الشافي - للمرتضى ص 231 وفي شرح نھج البلاغة
لابن أبي الحدید ج .. 4
نأتي إلى أشد علماء أھل البیت عداوة لأبي بكر وھو المجلسي وماذا
قال في كتابھ حق الیقین صفحھ 201
قال : " إن أبا بكر لما رأى غضب فاطمة قال لھا : أنا لا أنكر فضلك
ولا قرابتك من رسول االله - علیھ السلام - ولم أمنعك من فدك إلا
امتثالاً بأمر رسول االله ، واشھد االله على أني سمعت رسول االله یقول :
نحن معاشر الأنبیاء لا نورث ، وما تركنا إلا الكتاب والحكمة والعلم ،
وقد عملت ھذا باتفاق المسلمین ولست بمتفرد في ھذا ، وأما المال فإن
تریدینھ فخذي من مالي ما شئت لأنك سیدة أبیك وشجرة طیبة لأبنائك
ولا یستطیع أحد أن ینكر فضلك " ..
نأتي لأرض فدك وإرثھا المزعوم ، ونقول إن االله تعالى في كتابھ
الكریم قال عن المیراث :
(( یُوصِیكُمُ اللّھُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَیَیْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ
اثْنَتَیْنِ فَلَھُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَھَا النِّصْفُ وَلأَبَوَیْھِ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِّنْھُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَھُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ یَكُن لَّھُ وَلَدٌ وَوَرِثَھُ
أَبَوَاهُ فَلأُمِّھِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَھُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّھِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصِي
بِھَا أَوْ دَیْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَیُّھُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِیضَةً مِّنَ
اللّھِ إِنَّ اللّھَ كَانَ عَلِیما حَكِیماً . ))
طیب ومع علمنا بمن ھم ورثة النبي - صلى االله علیھ وآلھ - من
زوجات وبنات وأھل وذریة ، نأتي إلى تقسیم الإرث إن كان المیراث
النبوي یورث ونقول ھل أدعت الزھراء - علیھا السلام ا بأیا أن - بكر
ما دام ما تركھ الأنبیاء صدقة لا یورثوه فلماذا ورثت زوجاتھ بیوتھ ؟ .
ھذا إن زعم الأثنى عشریة أن زوجاتھ ورثوا البیوت ..
ولكن لا توجد روایة توحي إلى ذلك ، وھذا یدل على أن البیوت لیست
میراث وإنما ھي بیوت زوجاتھ - صلوات ربي علیھ وآلھ .
ولو فرضنا ذلك فكیف تطلب الزھراء - علیھا السلام - المیراث كاملاً
، ونحن قرأنا الآیة التي تفید أن البنت لا ترث المیراث الكامل مع
وجود متقاسمین معھا !؟
نأتي للآیة في نفس السورة وھي النساء
قال تعالى :
(( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ یَكُن لَّھُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَھُنَّ وَلَدٌ
فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصِینَ بِھَا أَوْ دَیْنٍ وَلَھُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا
تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ یَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَھُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ
وَصِیَّةٍ تُوصُونَ بِھَا أَوْ دَیْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ یُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَھُ أَخٌ
أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْھُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَھُمْ شُرَكَاء
فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصَى بِھَا أَوْ دَیْنٍ غَیْرَ مُضَآرٍّ وَصِیَّةً مِّنَ اللّھِ
وَاللّھُ عَلِیمٌ . ))
طبقوا الموجود بالآیة على میراث الزھراء - علیھا السلام - لكي تعلم
العقول أن الأمر لیس فیھ ظلم لھا ولا لآل بیت أبیھا - علیھم السلام .
فالآیة تتكلم عن میراث الزوجة التي یتوفى زوجھا فھل علمنا أن
زوجاتھ طالبوا بمیراثھ ؟ .
وھل للزھراء الحق أو ھل لمن ظلم أقوال الزھراء وفسرھا على أنھا
على ما جاء بھا علماء الإمامیة ، ھل وعوا أن معھا شركاء بالورث إن
كان المال یورث ؟ .
ولا ننسى أن الآیة تتكلم نأ لزوجاتھ ( ربع ) میراثھ ..
نأتي لمسألة مھمة وھي میراث النساء عند الإمامیة ، ونكتفي بروایتین
فقط وھما :
و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر - علیھ السلام - قال: (النساء لا
یرثن من الأرض و لا من العقار شیئاً .)
وعن عبد الملك بن أعین عن أحدھما - علیھما السلام - قال: (لیس
للنساء من الدور والعقار شیئاً . )
فھل تعتبر فاطمة - علیھا السلام - امرأة أم رجل ؟ .
وھل لو قلنا أنھا مستثناه ، ھل یدل ھذا على أن العصمة بطلت ، لأن
مفھوم العصمة ھو الاقتداء بصاحبھا ، فكیف تقتدي النساء بھا وھي
مستثناه من أمر شرعي ( على نظرة الإمامیة) وھو میراث العقار
للنساء .؟
أمر لا یقل أھمیة وھو حدیث ما نورث ما تركناه صدقة ..
صحح الإمامیة ھذا الحدیث كما قال المجلسي إسناده مرآة العقول
. 111 1/
وصححھ الخمیني فقال رجال الحدیث كلھم ثقات كما الحكومة
الإسلامیة ص145 ، ومن یطعن بھذه النسخة فیوجد دلیل آخر في
النسخة المطبوعة ص93 حیث قال لحدیث الكافي ج 1 ص32 انھ
صحیح ..
السؤال یطرح حالھ ھنا ، وھو كیف غابت ھذه الروایات عن الزھراء -
علیھا السلام - وھي التي تعتبر مستودع للأسرار .؟
بل لماذا لم یبین لھا مدینة العلم - علیھ السلا -م ھذا الأمر .؟
ھنا یجب أن تقف العقول المحررة ألف مرة فتقر وتعترف أن الأئمة
بشر یعلمون ولا یعلمون ویخطئون ویصیبون وإلا ھل ھم أنبیاء !.؟
مشكلة كبیرة جداً أ خرى نجدھا في فھم ھذه الروایة التي یحتج بھا
الإمامیة من كتب السنة على أنھا دلیل غضبھا والتي تقول :
(( قالَ لَھَا أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّھِ - صلى االله علیھ وسلم - "قَالَ لاَ
. " نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَغَضِبَتْ( وجدت) فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّھِ
صلى االله علیھ وسلم فَھَجَرَتْ أَبَا بَكْر،ٍ فَلَمْ تَزَلْ مُھَاجِرَتَھُ حَتَّى تُوُفِّیَتْ
وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّھِ - صلى االله علیھ وسلم - . )) سِتَّةَ أَشْھُرٍ
السؤال : لو كانت الروایة كما فھمھا الإمامیة إذن متى كسر الضلع
وھي ست أشھر لم تراه ولم تكلمھ ؟ .
مشكلة أخرى أ كبر من أي مشكلة مضت معنا في ھذا المبحث ، وھو
ھل طلب الإرث أ كبر ھماً وقصداً من طلب الإمامة ؟ وھل شجاعة
الزھراء ومضیھا في طلب الإرث وفدك أكبر أو ھم عندھا من طلب
الإمامة ؟؟
بل وھل غضبت على عليّ - علیھ السلام - فیدخل في قائمة المغضوب
علیھم من االله تعالى والعیاذ باالله ؟ .
یقول المجلسي في كتاب حق الیقین بحث فدك ص 203 وأیضا كتاب
الأمالي للطوسي ص 295
(إن فاطمة - علیھا السلام - لما طالبت فدك من أبي بكر امتنع أبو
بكر أن یعطیھا إیّاھا فرجعت فاطمة - علیھا السلام - وقد جرعھا من
الغیظ ما لم یوصف ومرضت ، وغضبت على عليّ لامتناعھ عن
مناصرتھ ومساعدتھ إیّاھا وقالت : یا ابن أبي طالب !! اشتملت مشیمة
الجنین وقعدت حجرة الظنین بعد ما أھلكت شجعان الدھر وقاتلتھم ،
والآن غلبت من ھؤلاء المخنثین ، فھذا ھو ابن أبي قحافة یأخذ مني
فدك التي وھبھا لي أبي جبراً وظلماً ویخاصمني ویحاججني ، ولا
ینصرني أحد فلیس لي ناصر ولا معین ولیس لي شافع ولا وكیل ،
فذھبت غاضبة ورجعت حزینة أذللت نفسي تأتي الذئاب وتذھب ولا
تتحرك ، یا لیتني مـتّ قبل ھذا وكنت نسیاً منسیاً إنما أشكو إلى أبي
وأختصم إلى ربي )) !.!
ھل ھذه الروایة دلیل على أدب الزھراء المعصومة - علیھا السلام –
یا إمامیة .؟
بل ھي واالله أجل وأعلى من أن تتفوه بھذه الكلمات ..
نأتي لمسألة موت الزھراء وھي غضبانة على أبو بكر الصدیق ،
ونسرد روایتین واحد ة للشیعة الإمامیة ، وأخرى للسنة تفید أنھا على
عكس ما یعلمھ الكثیرین ..
یقول أھل السنة :
((لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن ، فقال علي یا فاطمة ، ھذا
أبو بكر یستأذن علیك ، فقالت أتحب أن آذن لھ ، قالت نعم قال فأذنت لھ
فدخل علیھا یترضاھا وقال واالله ما تركت الدار والمال والأھل
والعشیرة إلا ابتغاء مرضاة االله ورسولھ ومرضاتكم أھل البیت قال ثم
ترضاھا حتى رضیت (. )) رواه البیھقي في سننھ 6/ 301 وقال مرسل
بإسناد صحیح).
یقول الإمامیة :
إن أبا بكر قال لھا : إن لك ما لأبیك ، كان رسول االله - صلى االله علیھ
وآلھ - یأخذ من فدك قوتكم ، ویقسم الباقي ویحمل منھ في سبیل االله ،
ولك على االله أن أصنع بھا كما كان یصنع ، فرضیت بذلك وأخذت
العھد علیھ بھ . ( شرح نھج البلاغة لابن میثم البحراني ج 5 ص 107
ط طھران .)
ھل ظلم أبو بكر آل البیت - علیھم السلام ؟ .
سؤال موجھ لعلي - علیھ السلام - ونروي ھذه الروایة :
" لما وصل الأمر إلى علي ابن أبي طالب كلّم في رد فدك ، فقال : "
إني لأستحیي من االله أن أرد شیئاً منع منھ أبو بكر وأمضاه عمر " (
الشافي للمرتضي ص 213 ، وشرح نھج البلاغة لابن أبي الحدید
ج 4..
إذن المسألة إقرار ورضا منھ حتى وھو في الحكم وعلى رأس الخلافة
، ولا ننسى أن خراج وأموال فدك كان أبو بكر وعمر وعثمان
یعطونھا إلى فاطمة وأولادھا كما مر علیھ أول الموضوع ..
نقول فإن فدك لم تكن لا إرث اً ولا ھبة ، وھذا ما كان یراه الإمام
علي نفسھ ، إذ أنھ لما استخلف على المسلمین لم یعط فدك لأولاده بعد
وفاة أمھم فاطمة بحیث یكون لھ الربع لوجود الفرع الوارث ، وللحسن
والحسین وزینب وأم كلثوم الباقي { للذكر مثل حظ الأنثیین } وھذا
معلوم في التاریخ ، فلماذا یشنع على أبي بكر في شيء فعلھ علي بن
أبي طالب نفسھ !؟
كما أن فدك لو كانت إرثاً من النبي - صلى االله علیھ وآلھ وسلم -
لكان لنساء النبي ومنھن عائشة بنت أبي بكر وزینب وأم كلثوم بنات
النبي حصة منھا ، لكن أبا بكر لم یعط ابنتھ عائشة ولا أحد من نساء
النبي ولا بناتھ شیئاً استناداً للحدیث ، فلماذا لا یذكر ھؤلاء كطرف في
قضیة فدك بینما یتم التركیز على السیدة فاطمة وحدھا؟!!
ھذا على فرض أن فدك كانت إرثاً من رسول االله - صلى االله علیھ
وآلھ وسلم - أما إذا كانت فدك ھبة وھدیة من رسول االله - صلى االله
علیھ وآلھ وسلم - لفاطمة - علیھا السلام - كما یروي ذلك الكاشاني في
تفسیره الصافي 3/ 186 فالأمر یحتاج إلى وقفة أخرى أیضاً .
فعلى فرض صحة الروایة حول مطالبة السیدة فاطمة - رضوان االله
علیھا - لفدك كإرث لا كھبة من أبیھا ، فإننا لا یمكن أن نقبلھا لاعتبار
آخر وھو نظریة العدل بین الأبناء التي نص علیھا الإسلام .
-------------------------------------------------------------