(10)
67) إقرار الكفار بتوحيد الربوبية مع شركهم في توحيد الألوهية
بين شيخ الإسلام الأحوال التي عرضت لطوائف من أهل المعرفة والتصوف في سلوكهم في مسائل العبادة والتحقيق وماقصدوا إليه في تحقيق الحقيقة الشرعية في مقام العبودية .
وأن هذا القصد يصاحبه الكثير من مقامات الجهل ومنه هذا التوهم أن تحقيق المعرفة والإرادة إنما يكون بشهود هذه المعرفة المختصة بربوبية الله تعالى .
68)الإيمان بربوبية الله تعالى من أصول الإيمان ولاإيمان لعبد لايؤمن بهذه الحقيقة بأن الله رب العالمين وأنه على كل شئ قدير وأن الله بكل شئ عليم
وأنه الخالق وماسواه مخلوق وأن بيده ملكوت كل شئ وأنه المالك لكل شئ وغير ذلك من حقائق الربوبية التي يتضمنها فعل الله عزوجل ويتضمنها أمره الكوني ويتضمنها قضاؤه وقدره .
وهذه حقيقة شرعية كبرى بل هي من أعظم الحقائق الشرعية ولكن الحقائق الشرعية حقائق متصلة ببعضها يتضمن بعضها بعضا ويستلزم بعضها بعضا .
ومحل المؤاخذة ممن سلك طريقا مغلوطة أنهم قصروا الحقيقة الدينية على هذا المعنى
فهذا الوقوف عند هذه الحقيقة كما يسميها المصنف وهي -الاقتصار على هذا الشهود أو تغليبه -أو الجهل أو النقص في مقام الحقيقة الشرعية وهي حقيقة الأمر والنهي والتشريع والتعبد لله ويسمى عبادة الله وألوهية .
69)من قصر في مقام الأمر والنهي تغليبا لمقام الربوبية فقد وقع في مقام من الخلل والضلال بحسب مايصيبه في هذا المقام .
فقد يكون من أهل الغلو في هذه الطريقة تارة وقد يكون من أهل الاقتصاد تارة وقد يكون متوسطأ بين الحالين .
وهل يوجد أحد من أهل الاقتصاد ؟
نعم إذاوقع في ذلك على أوجه عارضه ولم يكن ذلك منهجا مطردا له وهذا وقع فيه بعض مقتصدة الصوفية في بعض المسائل والمقامات .
وإذا نظرت إلى مشرعهم ومنهجهم وجدت أنهم ليسوا على هذه الطريقة في عموم حالهم .
ولكن يصيبهم منها مايصيبهم أعني عدم تحقيق الجمع بين مقام الربوبية ومقام الشرعية -وهذا هو الدين الذي جاء به الأنبياء – عبادة الله بماأمر وشرع في كتابه وماجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم وكل الأنبياء على ذلك قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله ...)
70)عبادة الله بماشرع من أوجه العبادات التي فصلت في كتب الرسل وفي نبواتهم عليهم السلام .
فمن شهد الجمع بين الشرع والقدر فهو المصيب لطريقة المرسلين وهم في ذلك درجات في تحقيقهم كما تفاضل إيمان الصحابة رضي الله عنهم كإيمان أبي بكر وعمر وعثمان حتى الخلفاء الأربعة ليسوا درجة واحدة فضلا عن بقية الصحابة رضي الله عنهم .
وهذا الفضل قديكون تسمية كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الخلفاء الأربعة وتارة -وهو الغالب -أنه من علم الله الذي لم يطلع البشر عليه – اختص الله بعلمه فمعرفة تعيين الإيمان بالفضل عند الله تعالى ولهذا كان من طريقة أهل السنة أنهم لايشهدون لأحد بجنة أو نار أو عذاب إلا ماجاء به الخبر كالعشرة وغيرهم من الأحكام المستقرة .
وقد بعث الله الرسل بتحقيق الجمع بين الشرع والقدر وقد تضمن هذا المقام في أعظم سورة في القرآن وهي سورة الفاتحة فكلها في تحقيق الجمع بين الشرع والقدر .
وجميع هذه السورة العظيمة في تقرير هذه الحقيقة العظيمة -الجمع بين الشرع والقدر -أو الجمع بين الشرع والربوبية أو الجمع بين الربوبية والألوهية وكلها ألفاظ متقاربة .
فهذه السورة العظيمة -الفاتحة -كلها في تحقيق هذا الأصل العظيم وهو الإيمان بربوبية الله مع إخلاص العبادة والطاعة لله وحده لاشريك له .
-وهذا جماع دين الإسلام -
ولهذا أبان الله في نهاية السورة طريقة من ضل عن هذه الطريقة وهم المغضوب عليهم والضالين .
71)لما اشتغل كثير من أهل المعرفة والعبادة والنظرمن الصوفية بالنظر إلى هذه المسائل والقصد إلى تحصيلها أصابهم هذا الخلل في التقصير في مقام الأمر والنهي على درجات تارة غلواً وتارة غير ذلك .
يقابلهم طوائف من أهل الكلام والنظر الذين غلو في مقام الأمر والنهي وفاتهم كثير من التحقيق في مقام الربوبية كما هو شأن كثير من المعتزلة بل عامة المعتزلة على هذه الطريقة حيث لم يجعلوا أعمال العباد قد شاءها الله وخلقها عندهم .
وفي الأمر والنهي مادة غالية حيث جعلوا مرتكب الكبيرة -الترك لمقام من الأمر أو الواقع في مقام من النهي - جعلوه خالداً مخلداً في نار جهنم وجعلوه قد عدم الإيمان بهذا الترك أو بالفعل فأهل هذه الطريقة عندهم المنزلة بين المنزلتين فأصل هذه الطريقة غلو في مقام الأمر والنهي وتقصير في مقام الربوبية .
وأولئك عندهم غلو في مقام الربوبية حيث لم يشهدوا حقيقة الشرع على وجهها الذي شرعه الله .
72)أشار المصنف إلى من أسقط الأمر والنهي وأباح ماحرم الله ويؤثر هذا المسلك من شأن الغلو المستحكم الذي لم يقع لعامتهم وجمهورهم وإنما نقل عن بعض الأعيان في بعض المقامات وإن كان كثير من الحروف التي يقولونها لها تأويل وبعضها قد يكون على من تسمية قائله من باب تعارض الحقائق عندهم .
73)أهل التصوف بالغوا في شهود المعرفة -الربوبية - وهذا تلبس به جمهور الصوفية وقصروا في باب تحقيق الاتباع في مقام الأمر والنهي والتمسك بالسنن والآثار .
- وهذا الشهود له درجات من جهة اختصاصه .
74) الأصول المجتمعة في الشريعة من غلا في شئ منها لزم في حاله التقصير في الأصل الآخر .
الشريط الثالث