البرهان 240
من سورة الأنبياء
{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ *
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ *
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ
وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ }
{92 - 94 }
ولما ذكر الأنبياء عليهم السلام، قال مخاطبا للناس:
{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً }
أي: هؤلاء الرسل المذكورون هم أمتكم
وأئمتكم الذين بهم تأتمون، وبهديهم تقتدون،
كلهم على دين واحد، وصراط واحد، والرب أيضا واحد.
ولهذا قال: { وَأَنَا رَبُّكُمْ }
الذي خلقتكم، وربيتكم بنعمتي، في الدين والدنيا،
فإذا كان الرب واحدا، والنبي واحدا،
والدين واحدا، وهو عبادة الله، وحده لا شريك له،
بجميع أنواع العبادة
كان وظيفتكم والواجب عليكم، القيام بها،
ولهذا قال: { فَاعْبُدُونِ }
فرتب العبادة على ما سبق بالفاء، ترتيب المسبب على سببه.
وكان اللائق، الاجتماع على هذا الأمر، وعدم التفرق فيه،
ولكن البغي والاعتداء، أبيا إلا الافتراق والتقطع.
ولهذا قال: { وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ }
أي: تفرق الأحزاب المنتسبون لاتباع الأنبياء فرقا، وتشتتوا،
كل يدعي أن الحق معه، والباطل مع الفريق الآخر
و { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }
وقد علم أن المصيب منهم،
من كان سالكا للدين القويم، والصراط المستقيم،
مؤتما بالأنبياء وسيظهر هذا، إذا انكشف الغطاء،
وبرح الخفاء، وحشر الله الناس لفصل القضاء،
فحينئذ يتبين الصادق من الكاذب،
ولهذا قال: { كُلٌّ } من الفرق المتفرقة وغيرهم
{ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } أي: فنجازيهم أتم الجزاء.
ثم فصل جزاءه فيهم، منطوقا ومفهوما،
فقال: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ }
أي: الأعمال التي شرعتها الرسل وحثت عليها الكتب
{ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } بالله وبرسله، وما جاءوا به
{ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ }
أي: لا نضيع سعيه ولا نبطله،
بل نضاعفه له أضعافا كثيرة.
{ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ }
أي: مثبتون له في اللوح المحفوظ،
وفي الصحف التي مع الحفظة.
أي: ومن لم يعمل من الصالحات،
أو عملها وهو ليس بمؤمن،
فإنه محروم، خاسر في دينه، ودنياه.