عرض مشاركة واحدة
قديم 26-03-12, 10:38 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
همة داعية
اللقب:
عضو
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية همة داعية


البيانات
التسجيل: Jan 2012
العضوية: 7030
المشاركات: 167 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.03 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 14
نقاط التقييم: 47
همة داعية على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
همة داعية غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : همة داعية المنتدى : بيت الكتاب والسنة
افتراضي

تفسير سورة البلد



‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَدًا أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ‏}‏‏.‏

البسملة‏:‏ تقدم الحديث عليها‏.‏ ‏{‏لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ‏}‏ ‏{‏لا‏}‏ للاستفتاح، أي‏:‏ استفتاح الكلام وتوكيده، وليست نافية، لأن المراد إثبات القسم، يعني أنا أقسم بهذا البلد لكن ‏(‏لا‏)‏ هذه تأتي هنا للتنبيه والتأكيد و‏{‏أُقْسِمُ‏}‏ القسم تأكيد الشيء بذكر معظم على وجه مخصوص‏.‏ فكل شيء محلوف به لابد أن يكون معظمًا لدى الحالف، وقد لا يكون معظمًا في حد ذاته‏.‏ فمثلًا الذين يحلفون باللات والعزى هي معظمة عندهم، لكن هي في الواقع ليست عظيمة ولا معظمة‏.‏ فالحلف، أو القسم، أو اليمين المعنى واحد، هي تأكيد الشيء بذكر معظم عند الحالف على صفة مخصوصة‏.‏ وحروف القسم هي‏:‏ الباء، والواو، والتاء، والذي في الآية الكريمة هنا ‏{‏لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ‏}‏ ‏(‏الباء‏)‏‏.‏ ‏{‏بِهَذَا الْبَلَدِ‏}‏ البلد هنا مكة، وأقسم الله بها لشرفها وعظمها، فهي أعظم بقاع الأرض حرمة وأحب بقاع الأرض إلى الله عز وجل، ولهذا بعث منها رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - الذي هو سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه، فجدير بهذا البلد الأمين أن يقسم به‏.‏ ولكن نحن لا نقسم به، لأنه مخلوق، وليس لنا الحق أن نقسم بمخلوق‏.‏ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلّم - ‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك‏)‏، أما الله عز وجل فإنه سبحانه يقسم بما شاء، ولهذا أقسم هنا بمكة ‏{‏لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ‏}‏ قيل المعنى‏:‏ أقسم بهذا البلد حال كونك حالًا فيه، لأن حلول النبي - صلى الله عليه وسلّم - في مكة يزيدها شرفًا إلى شرفها‏.‏ وقيل المعنى‏:‏ وأنت تستحل هذا البلد، فيكون إقسام الله تعالى بمكة حال كونها حلًا للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك عام الفتح؛ لأن مكة عام الفتح أُحلت للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم تحل لأحد قبله، ولا تحل لأحد بعد ذلك، كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم - ‏:‏ ‏(‏وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس‏)‏، فيكون إقسام الله تعالى بهذا البلد مقيدًا بما إذا كانت حلًا للرسول - صلى الله عليه وسلّم - عـام الفتـح؛ لأنهـا في ذلك اليـوم تزداد شرفًا إلى شرفها، حيث طُهِّرت من الأصنام وهزم المشركون، وفتحت عليهم بلادهم عنوة، وصارت هذه البلد بعد أن كانت بلد كفر صارت بلاد إيمان، وبعد أن كانت بـلاد شرك صـارت بلاد توحيد، وبعد أن كانت بلاد عناد صارت بلاد إسلام، فأشرف حال لمكة كانت عند الفتح‏.‏ ‏{‏وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ‏}‏ يعني وأقسم بالوالد وما ولد، فمن المراد بالوالد ومن المراد بالولد‏؟‏ قيل‏:‏ المراد بالوالد آدم، وبالولد بنو آدم وعلى هذا تكون ‏(‏ما‏)‏ بمعنى ‏(‏من‏)‏ أي‏:‏ ووالد ومن ولد، لأن ‏(‏من‏)‏ للعقلاء، و‏(‏ما‏)‏ لغير العقلاء‏.‏ وقيل‏:‏ المراد بالوالد وما ولد كل والد وما ولد، الإنسان والبهائم وكل شيء، لأن الوالد والمولود كلاهما من آيات الله عز وجل، كيف يخرج هذا المولود حيًّا سويًّا سميعًا بصيرًا من نطفة من ماء، فهذا دليل على كمال قدرة الله عز وجل، هذا الولد السوي يخرج من نطفة ‏{‏أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 77‏]‏‏.‏ كذلك الحشرات وغيرها تخرج ضعيفة هزيلة، ثم تكبر إلى ما شاء الله تعالى من حد‏.‏ والصحيح أن هذه عامة تشمل كل والد وكل مولود ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ‏}‏ اللام هنا واقعة في جواب القسم، لتزيد الجملة تأكيدًا، و‏(‏قد‏)‏ تزيد الجملة تأكيدًا أيضًا فتكون جملة ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ‏}‏ مؤكدة بثلاثة مؤكدات، وهي‏:‏ القسم، واللام، وقد‏.‏ ‏{‏خَلَقْنَا الإِنسَانَ‏}‏ الإنسان اسم جنس يشمل كل واحد من بني آدم ‏{‏فِي كَبَدٍ‏}‏ فيها معنيان‏:‏ المعنى الأول‏:‏ في استقامة، يعني أنه خلق على أكمل وجه في الِخلقة، مستقيمًا يمشي على قدميه، ويرفع رأسه، وبدنه معتدلًا‏.‏ والبهائم بالعكس الرأس على حذاء الدبر، أما بنو آدم فالرأس مرتفع أعلى البدن، فهو كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏‏.‏ ‏[‏التين‏:‏ 4‏]‏‏.‏ وقيل‏:‏ المراد بـ‏{‏كَبَدٍ‏}‏ مكابدة الأشياء ومعاناتها، وأن الإنسان يعاني المشقة في أمور الدنيا، وفي طلب الرزق، وفي إصلاح الحرث وغير ذلك‏.‏ ويعاني أيضًا معاناة أشد مع نفسه ومجاهدتها على طاعة الله، واجتناب معاصي الله، وهذا الجهاد الذي هو أشق من معاناة طلب الرزق، ولاسيما إذا ابتلي الإنسان ببيئة منحرفة وصار بينهم غريبًا، فإنه سيجد المشقة في معاناة نفسه، وفي معاناة الناس أيضًا‏.‏ فإن قال قائل‏:‏ أفلا يمكن أن تكون الآية شاملة للمعنيين‏؟‏ فالجواب‏:‏ بلى، وهكذا ينبغي إذا وجدت في الكتاب العزيز آية تحتمل معنيين وليس بينهما مناقضة فاحملها على المعنيين، لأن القرآن أشمل وأوسع، فإن كان بينهما مناقضة فانظر الراجح‏.‏ فمثلًا، قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 228‏]‏‏.‏ ‏(‏قروء‏)‏ جمع قرء بفتح القاف فما هو ‏(‏القرء‏)‏‏؟‏ قيل‏:‏ هو الحيض، وقيل‏:‏ هو الطهر‏.‏ هنا لا يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعًا للتناقض، لكن اطلب المرجح لأحد القولين وخذ به‏.‏ فهنا نقول‏:‏ ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ‏}‏ يصح أن تكون الآية شاملة للمعنيين أي في حسن قامة واستقامة، و‏{‏فِي كَبَدٍ‏}‏ في معاناة لمشاق الأمور‏.‏ ‏{‏أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ‏}‏ أي‏:‏ أن الإنسان في نفسه وقوته يظن أن لن يقدر عليه أحد، لأنه في عنفوان شبابه وقوته وكبريائه وغطرسته، فيقول لا أحد يقدر علي، أنا أعمل ما شئت، ومنه قوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً‏}‏‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 15‏]‏‏.‏ إذًا، فالإنسان في حال صحته وعنفوان شبابه يظن أنه لا يقدر عليه أحد، حتى الرب عز وجل يظن أنه لا يقدر عليه، وهذا لا شك بالنسبة للكافر، أما المؤمن فإنه يعلم أن الله قادر عليه، وأنه على كل شيء قدير فيخاف منه‏.‏ ‏{‏يَقُولُ‏}‏ أي يقول الإنسان أيضًا في حال غناه وبسط الرزق له ‏{‏أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَدًا‏}‏ أي‏:‏ مالًا كثيرًا في شهواته وفي ملذاته‏.‏ يقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ‏}‏ أيظن هذا أنه لا يراه أحد في تبذيره المال، وصرفه في ما لا ينفع، وكل هذا تهديد للإنسان أن يتغطرس، وأن يستكبر من أجل قوته البدنية، أو كثرة ماله‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ‏}‏‏.‏ هذه ثلاث نعم من أكبر النعم على الإنسان ‏{‏أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ‏}‏ يعني يبصر بهما ويرى فيهما، وهاتان العينان تؤديان إلى القلب ما نظر إليه الإنسان، فإن نظر نظرة محرمة كان آثمًا، وإن نظر نظرًا يقربه إلى الله كان غانمًا، وإذا نظر إلى ما يباح له فإنه لا يحمد ولا يذم ما لم يكن هذا النظر مفضيًا إلى محظور شرعي فيكون آثمًا بهذا النظر‏.‏ ‏{‏وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ‏}‏ لسانًا ينطق به، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذه من نعم الله العظيمة، لأنه بهذا اللسان والشفتين يستطيع أن يعبر عما في نفسه، ولولا هذا ما استطاع، لو كان لا يتكلم فكيف يعبر عما ما في قلبه‏؟‏ كيف يعلم الناس بما في نفسه‏؟‏ اللهم إلا بإشارة تتعب، يتعب المشير ويتعب الذين أشير إليهم‏.‏ ولكن من نعمة الله أن جعل له لسانًا ناطقًا، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذا من نعمة الله، وهو أيضًا من عجائب قدرته‏:‏ يأتي النطق من هواء يكون من الرئة يخرج من مخارج معينة، إن مر بشيء صار حرفًا، وإن مر بشيء آخر صار حرفًا آخر، وهو هواء واحد من مخرج واحد، لكن يمر بشعيرات دقيقة في الحلق، وفي الشفتين، وفي اللثة هذه الشعرات تكون الحروف‏.‏ فتجد مثلًا الباء والشين كلها بهواء يندفع من الرئة ومع ذلك تختلف باختلاف ما تمر عليه في هذا الفم، ومخارج الحروف المعروفة، هذا من تمام قدرة الله عز وجل‏.‏ ‏{‏وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ‏}‏ قيل‏:‏ أي بينا له طريق الخير، وطريق الشر‏.‏ القول الثاني‏:‏ ‏{‏هَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ‏}‏ دللناه على ما به غذاؤه وهو الثديان؛ فإنهما نجدان لارتفاعهما فوق الصدر، فهداه الله تعالى وهو رضيع لا يعرف، فمن حين أن يخرج وتضعه أمه يطلب الثدي، والذي أعلمه الله عز وجل، فبين الله عز وجل منته على هذا الإنسان من حين أن يخرج يهتدي إلى النجدين‏.‏ وفي بطن أمه يتغذى عن طريق السرة؛ لأنه لا يستطيع أن يتغذى من غير هذا، فلو تغذى عن طريق الفم لاحتاج إلى بول وغائط، وكيف ذلك‏؟‏ لكنه عن طريق السرة يأتيه الدم من دم أمه وينتشر في عروقه حتى يحيا إلى أن يأذن الله تعالى بإخراجه‏.‏

‏{‏فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ‏}‏‏.‏

‏{‏فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ‏}‏ أي الإنسان الذي كان يقول ‏{‏أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَدًا‏}‏ ‏{‏فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ‏}‏ يعني هلا اقتحم العقبة‏؟‏ والاقتحام هو التجاوز بمشقة يسمى اقتحامًا‏.‏ و‏{‏الْعَقَبَةَ‏}‏ هي الطريق في الجبل الوعر ولا شك أن اقتحام هذه العقبة شاق على النفوس، لا يتجاوزه أو لا يقوم به إلا من كان عنده نية صادقة في تجاوز هذه العقبة‏.‏ ‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ‏}‏ هذا الاستفهام للتشويق والتفخيم أيضًا، يعني‏:‏ ما الذي أعلمك شأن هذه العقبة التي قال الله عنها ‏{‏فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ‏}‏ بينها الله في قوله ‏{‏فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ فقوله‏:‏ ‏{‏فَكُّ رَقَبَةٍ‏}‏ هي خبر لمبتدأ محذوف والتقدير‏:‏ ‏"‏هي فك رقبة‏"‏ وفك الرقبة له معنيان‏:‏ المعنى الأول‏:‏ فكها من الرق، بحيث يعتق الإنسان العبيد المملوكين سواء كانوا في ملكه فيعتقهم، أو كانوا في ملك غيره فيشتريهم ويعتقهم‏.‏ المعنى الثاني‏:‏ فك رقبة من الأسير، فإن فكاك الأسير من أفضل الأعمـال إلى الله عز وجل‏.‏ والأسير ربما لا يفكه العدو إلا بفدية مالية، وربما تكون هذه الفدية فدية باهظة كثيرة لا يقتحمها إلا من كان عنده إيمان بالله عز وجل بأن يخلف عليه ما أنفق، وأن يثيبه على ما تصدق‏.‏ ‏{‏أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ‏}‏ ‏{‏أَوْ‏}‏ هذه للتنويع يعني وإما ‏{‏إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ‏}‏ أي‏:‏ ذي مجاعة شديدة، لأن الناس قد يصابون بالمجاعة الشديدة، إما لقلة الحاصل من الثمار والزروع، وإما لأمراض في أجسامهم يأكل الإنسان ولا يشبع، وهذا قد وقع فيما نسمع عنه في البلاد النجدية وربما في غيرها أيضًا‏.‏ أن الناس يأكلون ولا يشبعون، يأكل الواحد مأكل العشرة ولا يشبع، ويموتون من الجوع في الأسواق ويتساقطون في الأسواق من الجوع، هذه من المساغب‏.‏ أو قلة المحصول بحيث لا تثمر الأشجار، ولا تنبت الزروع، فيقل الحاصل وتحصل المسغبة، ويموت الناس جوعًا، وربما يهاجرون عن بلادهم‏.‏ ‏{‏يَتِيمًا‏}‏ اليتيم هو من مات أبوه قبل أن يبلغ سواءً كان ذكرًا أم أنثى‏.‏ فإن بلغ فإنه لا يكون يتيمًا؛ لأنه بلغ وانفصل‏.‏ وكذلك لو ماتت أمه فإنه لا يكون يتيمًا، خلافًا لما يظنه بعض العامة، أن اليتيم من ماتت أمه وهذا ليس بصحيح، فاليتيم من مات أبوه؛ لأنه إذا مات أبوه لم يكن له كاسب من الخلق يكسب له‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ذَا مَقْرَبَةٍ‏}‏ ذا قرابة من الإنسان لأنه إذا كان يتيمًا كان له حظ من الإكرام والصدقات، وإذا كان قريبًا ازداد حظه من ذلك؛ لأنه يكون واجب الصلة، فمن جمع هذين الوصفين اليتم والقرابة فإن الإنفاق عليه من اقتحام العقبة إذا كان ذلك في يوم ذي مسغبة‏.‏ ‏{‏أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ‏}‏ يعني‏:‏ أو إطعام في يوم ذي مسغبة ‏{‏مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ‏}‏، المسكين‏:‏ هو الذي لا يجد قوته ولا قوت عياله‏.‏ المتربة‏:‏ مكان التراب، والمعنى‏:‏ أنه مسكين ليس بيديه شيء إلا التراب‏.‏ ومعلوم أنه إذا قيل عن الرجل‏:‏ ليس عنده إلا التراب، فالمعنى‏:‏ أنه فقير جدًا ليس عنده طعام، وليس عنده كساء، وليس عنده مال فهو مسكين ذو متربة‏.‏ ‏{‏ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ‏}‏ ‏{‏ثُمَّ كَانَ‏}‏ يعني‏:‏ ثم هو بعد ذلك ليس محسنًا على اليتامى والمساكين فقط، بل هو ذو إيمان، آمن بكل ما يجب الإيمان به‏.‏ وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلّم - الذي يجب الإيمان به، فقال حين سأله جبريل عن الإيمان‏:‏ ‏(‏الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الاخر، والقدر خيره وشره‏)‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‏}‏ أي‏:‏ أوصى بعضهـم بعضًا بالصبر، والصبر ثلاثة أنواع‏:‏ صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، فهم صابرون متواصون بالصبر بهذه الأنواع‏:‏ الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عن معصية الله، ثم الصبر على أقدار الله المؤلمة‏.‏ وقد اجتمعت هذه الأنواع الثلاثة، في الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم، فها هو الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - صابر على طاعة الله، يجاهد في سبيل الله، ويدعو إلى الله، ويؤذى ويعتدى عليه بالضرب، حتى هم المشركون بقتله وهو مع ذلك صابر محتسب، وهو أيضًا صابر عن معصية الله، لا يمكن أن يغدر بأحد، ولا أن يكذب أحدًا، ولا أن يخون أحدًا، وهو أيضًا متق لله تعالى بقدر ما يستطيع‏.‏ كذلك صابر على أقدار الله، كم أوذي في الله عز وجل من أجل طاعته، أليست قريش قد آذوه حتى إذا رأوه ساجدًا تحت الكعبة أمروا من يأتي بسلا ناقة فيضعه على ظهره، وهو ساجد - صلى الله عليه وآله وسلم ـ‏؟‏‏!‏ وهو صابر في ذلك كله‏.‏ ويوسف - صلى الله عليه وآله وسلم - صبر على أقدار الله فقد أُلقي في البئر في غيابة الجب، وأوذي في الله بالسجن، ومع ذلك فهو صابر محتسب لم يتضجر ولم ينكر ما وقع به‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ‏}‏ أي‏:‏ أوصى بعضهم بعضًا أن يرحم الاخر، ورحمة الإنسان للمخلوقات تكون في البهائم وتكون في الناطق‏.‏ فهو يرحم آباءَه، وأمهاته، وأبناءَه، وبناته، وإخوانه، وأخواته، وأعمامه، وعماته، وهكذا‏.‏ ويرحم كذلك سائر البشر، وهو أيضًا يرحم الحيوان البهيم فيرحم ناقته، وفرسه، وحماره، وبقرته، وشاته، وغير ذلك، وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ‏:‏ ‏(‏ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء‏)‏‏.‏ ‏{‏أُوْلَئِكَ‏}‏ أي هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات ‏{‏أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ‏}‏ أي‏:‏ أصحاب اليمين، الذين يُؤتون كتابهم يوم القيامة بأيمانهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا وينقلب إلى أهله مسرورًا‏.‏ ثم قال عز وجل‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا‏}‏ أي‏:‏ جحدوا بها ‏{‏هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ‏}‏ ‏{‏هُمْ‏}‏‏:‏ الضمير هنا جاء للتوكيد، ولو قيل في غير القرآن‏:‏ والذين كفروا بآياتنا أصحاب المشئمة‏.‏ لصح لكن هذا من باب التوكيد‏.‏ ‏{‏الْمَشْأَمَةِ‏}‏ يعني‏:‏ الشمال أو الشؤم‏.‏ ‏{‏عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ‏}‏ أي عليهم نار مغلقة، لا يخرجون منها ولا يستطيعون، نسأل الله أن يجعلنا من الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصوا بالصبر، وتواصوا بالمرحمة إنه سميع مجيب‏.‏










توقيع : همة داعية

رحم الله بوح قلمي



يقظة الضمير بقلم الداعية بوح قلمي رحمها الله




هااااااااام وعااااااااجل لكل غيور


رحمكِ الله وأسكنكِ فسيح جناته

عرض البوم صور همة داعية   رد مع اقتباس