فصل
وَقدْ رَأَيْتُ كاتِبا قبْلَ أَيامٍ ، أُعْجِمَ قلبُهُ عَنْ هَذَا ، فلمْ يُدْرِكِ المُرَادَ ، فرَجَّحَ مَا ليْسَ عَليْهِ اعْتِمَادٌ ، وَلا لهُ عِمَادٌ ، وَكتبَ مَقالا ً يَعِيْبُ فِيْهِ عَلى الناس ِ في بلادِنا وفي بلادٍ أُخْرَى ، مَا رَآهُمْ فِيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَنِعْمَةٍ ، وَ بُعْدٍ عَنْ مَوَاطِن ِ الشرِّ وَالنِّقمَةِ ، فقالَ : يتلقى أَكثرُ النّاس ِحُكمَ حُرْمَةِ الصَّلاةِ فِي المقبَرَةِ باِلتَّسْلِيْمِ ، وَكأَنهُ مِنَ المتفق ِ عَليْهِ ، أَوْ كأَنَّ نصًّا مُحْكمًا وَرَدَ فِيْه!).
ثمَّ زَادَ فقالَ : وَالحقِيْقة ُ أَنَّ المسْأَلة َخِلافُ ذلِك َ، وَمَذْهَبَ السَّلفِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ: الجوَازُ ، إلا َّ مَا كانَ مِنَ الإمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ الله .
فالصَّلاة ُ فِي المقبَرَةِ إذنْ جَائِزَة ٌ لِلأَدِلةِ التالِيَةِ :
1 ــ قوْلُ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجدًا وَطهُوْرًا» ، وَهَذَا يعُمُّ الأَرْضَ كلهَا .
2 ــ بنَاءُ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ فِي مَقبَرَةٍ لِلمُشْرِكِيْنَ ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُوْرٌ ، وَهُوَ فِي«الصَّحِيْحَيْن».
3 ــ صَلاة ُ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى المِسْكِيْنَةِ ، التي كانتْ تقمُّ المسْجِدَ فِي المقبَرَةِ مَعَ أَصْحَابهِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمْ .
4 ــ صَلاة ُ الصَّحَابَةِ فِي المقبَرَةِ مِنْ غيْرِ نكِيْر .
5 ــ عَدَمُ وُجُوْدِ دَلِيْل ٍصَحِيْحٍ صَرِيْحٍ فِي النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ فِي المقبَرَة .
هَذَهِ بَعْضُ الأَدِلةِ عَلى جَوَازِ الصَّلاةِ فِي المقبَرَةِ عَلى وَجْهِ الاخْتِصَار) اه كلامُ المعْتَرِض .
ثمَّ أَحَالَ عَلى رِسَالةِ «الجوْهَرَة ، فِي جَوَازِ الصَّلاةِ فِي المقبرَة» ، وَليْسَ فِيْهَا شَيْءٌ يُحْتَجُّ بهِ ، غيْرُ مَا ذكرَ هُوَ ، وَسَيَأْتِي(ص109-125) إبْطالهُ بمَشِيْئَةِ الله([1]) .
[1] - بَعْدَ إتْمَامِي كِتَابي هَذَا بزِيادَاتِهِ الملحَقةِ : رَأَيتُ كِتَابًا طبعَ حَدِيثا باِسْمِ «كشْفِ السُّتُوْرِ ، عَمّا أَشْكلَ مِنْ أَحْكامِ القبوْر» لِمَحْمُوْدِ بن ِ سَعِيْدِ بن ِ مَمْدُوْحٍ ، نشَرَتهُ دَارُ الفقِيْهِ عَامَ (1423ه) ، في(361) صَفحَة .
قرَّرَ فِيْهِ أُمُوْرًا فاسِدَة ً كثِيرَة ً، مِنْ جَوَازِ البنَاءِ عَلى القبوْرِ ، وَالصَّلاةِ في المقابرِ ، وَالسَّفرِ إلىَ زِيارَتِهَا ، وَاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَهَا ، وَجَوَازِ النَّذْرِ لِلأَمْوَاتِ ! وَعِنْدَ القبوْرِ ! وَالذَّبحِ لها ! وَالتَّبرُّكِ بهَا ! وَغيرِ ذلِك َ مِمّا سَيَأْتِي تفصِيْلُ بطلانِه .
وَطعَنَ في شَيْخِ الإسْلامِ ابن ِ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ، لِحُكمِهِ بخِلافِ مَا قرَّرَهُ هَذَا المبْطِلُ ! وَرَمَاهُ بأُمُوْرٍ باطِلةٍ كثِيرَةٍ قدْ رُدَّتْ عَليْهِ ! وَانصَرَفتْ إليْهِ !
وَنالَ مِنَ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بن ِ عَبْدِ الوَهّابِ رَحِمَهُ الله ُ، وَذكرَ جَهَالاتٍ كثِيرَة ً سُقوْطهَا يغْني عَنْ إسْقاطِهَا . وَمَا كانَ مِنْ جَهَالاتِهِ قدْ يرُوْجُ عَلى بَعْض ِ العَامَّةِ وَمَنْ في حُكمِهمْ : فقدْ بَيَّنْتُ حَالهُ في هَذَا الرَّدِّ في مَوْضِعِه . أَمّا المسَائِلُ الأُخْرَى التي تَعَرَّضَ لها وَلمْ أَتعَرَّضْ لها في كِتَابي هَذَا لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهَا : فهيَ قلِيْلة ٌ، وَليْسَ هَذَا مَوْضِعَ الرَّدِّ عَليْهَا ، مَعَ أَنَّ أَهَمِّيَتَهَا أَقلُّ مِنْ سَابقاتِهَا ، وَوُضُوْحَهَا لِلنّاس ِ أَكثرُ ، وَالحمْدُ لله .