ومنه: اعتبار التبول في اناء ثم صب البول في الماء الراكد مساويا للتبول المباشر فيه الذي ورد النهي عنه بقوله : «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه»(13)، باعتبار أن كلا العملين مؤد لتلوث الماء واثارة الوسوسة. 2 -تأويل بعيد: وهو ما يحتاج لمعرفته والوصول اليه مزيد من التأمل مع كون اللفظ يحتمله وذلك كاستنباط ابن عباس ا، أن اقل الحمل ستة اشهر من قوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) «الاحقاف: 15» مع قوله تعالى: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة)«البقرة 233». وكاستدلال الامام الشافعي على كون الاجماع حجة بقوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)«النساء 115». وكذلك استدلال الاصوليين بقوله تعالى: (فاعتبروا يا أولي الابصار)«الحشر 20».. على حجية القياس، وكونه دليلا شرعيا. فهذه استنتاجات وان بدت يسيرة يتعذر الوصول اليها ما لم يكن الانسان جوال الفكر ثاقب النظر كما تحتاج الى تأمل وتدبر لا يتيسران لعامة الناس. 3 -تأويل مستبعد: وهو ما لا يحتمله اللفظ وليس لدى المؤول على تأويله أي نوع من انواع الدلالة وذلك نحو تفسير بعضهم قول الله تعالى: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) «النحل 16» بأن النجم هو رسول الله والعلامات هم الائمة . وكتفسير بعضهم قوله تعالى: (وما تغني الآيات عن قوم لا يؤمنون) «يونس 101» بأن الآيات هم الائمة والنذر هم الانبياء. وكتفسير آخرين قوله تعالى: (عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم) «النبأ 1 2» بالامام علي ، وأنه هو النبأ العظيم.(14). ضوابط التأويل: ويتبين مما ذكرنا أن التأويل يحتاج بالاضافة الى القدرة على التدبر والتأمل الى ما يدل عليه ويلجئ اليه، والا فان الاخذ بالظواهر أسلم، ولا يطرق باب التأويل الا في الامور الاجتهادية، وأما في المسائل الاعتقادية فلا مجال للاجتهاد فيها، فان الاخذ بظواهر النصوص مع تفويض المعاني المرادة منها، وما قد تدل عليه من كيفيات هو الاسلام دائما وهو موقف السلف رضوان الله عليهم. وعند الاضطرار الى التأويل لا بد من فهم النص وتحليله، ومعرفة سائر أوجه دلالته التي تشهد لها اللغة، وتدعمها مقاصد الشريعة، وتساعد عليها كليّاتها وقواعدها العامة، ولذلك كان الحكم باعتبار النص على ظاهره او تحليله لمعرفة ما يستلزمه من وجوه الدلالات من أهم ضروب الاجتهاد الفقهي والاعتبار الشرعي المأمور به في قوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الابصار) «الحشر 20». ان ابن عباس ا عند بيانه ضوابط التفسير قد ذكر أنه على أربعة أوجه: فوجه تعرفه العرب بكلامه. ووجه لا يعذر أحد بجهالته. ووجه يعلمه العلماء. ووجه لا يعلمه الا الله. وعلى ذلك فان التأويل وقد اتضح فيما تقدم معناه وأنواعه قد ظهرت الصلة الوثقى بينه وبين التفسير فقد جاء كل منهما في موضع الآخر في كثير من استعمالات الشارع الحكيم، وذلك في نحو قوله تعالى: (وما يعلم تأويله الا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به)«ال عمران 7». فقد ذهب معظم المفسرين الى أن المراد بالتأويل هنا التفسير والبيان ومنهم: الطبري الذي نقل ذلك عن ابن عباس ا وغيره من السلف. كذلك ورد في دعاء رسول الله لابن عباس ا: «الله فقهه في الدين، وعلمه التأويل» استعمل التأويل بمعنى التفسير والبيان، وان كان بعض العلماء، كالراغب الاصفهاني في مفرداته قد اعتبر التفسير أعم من التأويل، كما أنه نبه الى أن التفسير اكثر ما يستعمل في بيان الالفاظ وشرحها، وأن التأويل يكثر استعماله في بيان المعاني والجمل. كما أشار كذلك الى أن التأويل يغلب اطلاقه على استنباط المعاني من نصوص الكتاب والسنة أما التفسير فيتناول استنباط المعاني منها ومن غيرها. ولعل هذه الصلة الوثقى بين الاصطلاحين في استعمال الكتاب والسنة لهما خاصة تبيح لنا استعارة الضوابط التي وضعها أهل الاختصاص للتفسير كضوابط للتأويل كذلك. ان مما لاشك فيه أنه قد وردت في كتاب الله أمور قد استأثر الله تعالى بعلمها، كمعرفة حقائق الاسماء والصفات، وتفاصيل الغيب ونحو ذلك ... كما أن هناك أمورا اخرى اطلع عليها نبيه واختصه بمعرفتها ... ولاشك أن مثل هذه الامور ليس لأحد أن يخوض فيها بتفسير او تأويل .. بل عليه ان يلزم حدود ما ورد فيها في كتاب الله وسنة رسوله . وهناك قسم ثالث : وهو عبارة عن العلوم التي علمها الله لنبيه مما اودع في كتابه، وأمر نبيه بتعليمها وبيانها . وهذا القسم يشتمل على نوعين: الاول : وهو ما لا يجوز الخوض فيه الا بطريق السمع، كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغيره. يتبع